طريقة أدائه المختلفة، وتعبيراته الساخرة وشخصيته الانطوائية، شكّلت منه فنانا استثنائيًا لن يتكرر في تاريخ الفن المصري والعربي، جعل الموضوعات الجادة مادة كوميدية سوداء أضحكت الجميع، إنه عملاق الفن الراحل "نجيب الريحانى" الذي ولد في مثل هذا اليوم من عام 1889.
بدأ عشق الريحاني للفن فى عمر مُبكر من خلال المسرح المدرسي، ثم جاء تعاونه الأول مع الفنان جورج أبيض بعد أدائه الساخر لدور جسّد خلاله شخصية إمبراطور النمسا بشكل ساخر، لينصحه جورج بالبحث عن مهنة أخرى بعيدة عن التمثيل، لأنه يرى أنه لا يصلح لها.
رغم عمل نجيب الريحاني في وظيفة بعيدة عن التمثيل، وذلك بعد أن بدأ إداريًا في شركة السكر جنوب مصر، قبل فصله من العمل، حيث دفعه حبه للفن إلى تأسيس فرقة مسرحية مع صديقه بديع خيري، والتي أصبحت خلال وقت قصير من أشهر الفرق المسرحية في مصر، وانضم لها عدد كبير من الفنانين وقدم من خلالها العديد من الروايات.
تأثر الفنانين به
وقد تأثر بشخصية نجيب الريحاني الكثير من الفنانين، وحاولوا تقليده، مثل الفنان فؤاد المهندس الذي كشف في أحد لقاءاته أنه كان يعشقه وكان يريد أن يصبح مثله، ولكنه اكتشف أنه لابد أن يكون مُميزًا وليس نسخة من أحد، كما تأثر به أيضًا الفنان فريد شوقي، الذي كشف أنه كان في طفولته يتسلل من خلف كواليس المسرح؛ ليشاهد نجيب الريحاني لشدة عشقه لفنه وأدائه.
ضحك ودموع
عانى الكوميديان الذي أضحك الجميع ويلات الحزن وحيدًا، لدرجة أن الموسيقار محمد عبد الوهاب علق فى لقاء سابق على بكاء "الريحانى" الشديد في فيلم "غزل البنات" قائلا: نجيب كان شخصًا غريبًا جدًا، ولم أكن أتصور أنه يحمل همومًا كثيرة إلا بعد أن رأيته يبكي بشدة في فيلم "غزل البنات"، وجدته ينزوي في ركن من الغرفة خلال تصوير فيلم "غزل البنات"، يُحدث نفسه وخرج علينا يقول "أنا جاهز للتصوير"؛ لتنساب منه الدموع الحقيقية، وعندما سألته عن السبب قال لي "أنا عندي هموم وجروح كثيرة فأخرجت جرحًا واحدًا".
شخصية كتومة
كانت شخصية الريحاني كتومة، ويكتنفها كثير من الغموض، وكان يتهكم على الأوضاع بالكوميديا الساخرة، لدرجة أنه كان يُضحك الجميع دون أن يَضحك، وكان جزء كبير من نجاحه يعود إلى كوميديا الموقف التي يقدمها.
لم تخل حياة الريحاني من المرأة، فتزوج من الفنانة بديعة مصابني، والتي جاءت إلى مصر وأسست فرقة باسمها وقدّمت عليها الكثير من العروض القوية، وفتحت لهم الدنيا ذراعيها، وشكّلا علاقة استثنائية في الفن، وتزوجها بعد أن قدما مجموعة من المسرحيات مثل "الليالي الملاح ـ مراتي في الجهادية ـ ريا وسكينة"، وقد أضاف لـ"مصابني" الكثير، وقدّم لها أشهر الروايات، ولكنهما كانا مُختلفين في الطباع على حد قولها، إذ قالت: "نجيب يحب النوم في النهار والسهر طول الليل والشغل مع بديع، بينما أنا كنت أبحث عنه لكي نخرج معًا ولا أجده، فتشاجرت معه وتركته"، كما سردت في مُذكراتها "أن الشخص الذي كان يضحك الجميع عاش حياة كئيبة بدون أي مرح، وعشت معه 3 سنوات كأنها عمري كله".
وعقب انفصالهما تزوج الريحاني من سيدة أخرى وهي "لوسي دي فرناي".
مُذكراته
دوّن الريحاني سجلًا حافلًا بالمواقف التي خطها بيده قبل وفاته، مُعبرًا عن عصره في فترة مهمة عكستها مُذكراته الشخصية، والتي توقف فيها عند محطات كثيرة من حياته سواء فشله أو نجاحه، وشخصيات مؤثرة في مشواره.
كشكش بك
التصقت شخصية "كشكش بك" بالفنان نجيب الريحاني، والتي قدمها في عدد من الأعمال الفنية، بدأها بفيلم "صاحب السعادة كشكش بيه" في بداية الثلاثينيات ثم "حوادث كشكش بك"، ثم فيلم "بسلامته عاوز يتجوز"، كما نقل هذه الشخصية للمسرح من خلال عروض مثل "ياسمينة"، "اتبحبح"، و"نجمة الصبح"، وغيرها، وأيضًا قدّم شخصية "ياقوت أفندي" في فيلم حمل الاسم نفسه، ثم "إبراهيم أفندي" في فيلم "أحمر شفايف"، وغيرها من الشخصيات.
حياة مُلهمة
كانت حياة نجيب الريحاني مُلهمة للكثير من صناع الفن، لدرجة تقديم سيرته في أعمال مثل مسلسل "الضاحك الباكي"، ومسرحية "صانع البهجة"، والتي تضمنت شخصية "كشكش بك عمدة كفر البلاص"، التي قدمها الريحاني في عدد من أعماله.
لم يكن نجيب الريحاني ممثلًا فحسب، ولكنه قام بتأليف وإخراج الكثير من أعماله، مثل مسرحيات "تعالي لي يا بطة" و"بكرة في المشمش"، و"كشكش بك في باريس"، و"الدنيا لما تضحك"، وغيرها من الأعمال الأخرى، التي أثرى بها الحياة الفنية وخلّدت اسمه بعد الرحيل.