كشفت دراسة علمية جديدة، نُشرت في مجلة "الرسائل الفيزيائية الفلكية"، عن مؤشرات قوية تشير إلى احتمال وجود حياة على كوكب خارج نظامنا الشمسي، إذ رصد علماء من جامعة كامبريدج جزيئات في الغلاف الجوي لهذا الكوكب الذي يسمى K2-18b، والتي ترتبط على الأرض حصريًا بالنشاط البيولوجي، في اكتشاف قد يمثل لحظة محورية في تاريخ البشرية.
جزيئات الحياة
بحسب "واشنطن بوست"، يتركز الاكتشاف حول وجود جزيء ثنائي ميثيل الكبريت (DMS) في الغلاف الجوي للكوكب K2-18b، والذي ينتج على الأرض فقط عن طريق تحلل العوالق النباتية والميكروبات الأخرى، دون وجود أي مصدر آخر معروف له، ما يجعل اكتشافه على كوكب يبعد 124 سنة ضوئية عن الأرض أمرًا بالغ الأهمية في البحث عن حياة خارج الأرض.
ونقلت صحيفة "ذا تليجراف" البريطانية أن كميات هذا المركب الكيميائي على K2-18b هائلة، إذ تمثل 20 ضعف النشاط البيولوجي على الأرض.
وأضافت أن هذا الجزيء يتلاشى بسرعة نسبيًا، ما يشير إلى وجود عملية مستمرة لإنتاجه.
وصرح البروفيسور نيكو مادوسودان، الباحث الرئيسي في الدراسة، للصحيفة: "ليس هناك آلية يمكن أن تفسر ما نراه بدون وجود حياة.. بالنظر إلى كل ما نعرفه عن هذا الكوكب، فإن عالَمًا به محيط يعج بالحياة هو السيناريو الذي يناسب البيانات التي لدينا".
كوكب مائي
أوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الكوكب K2-18b تم اكتشافه في عام 2015 بواسطة تلسكوب كيبلر الفضائي التابع لناسا، ويقع في كوكبة الأسد ويبلغ قطره نحو 2.6 مرة قطر الأرض، وهو نوع من الكواكب يُطلق عليه اسم "شبه نبتون"، أكبر من الكواكب الصخرية في نظامنا الشمسي الداخلي، لكنه أصغر من نبتون والكواكب الغازية في النظام الشمسي الخارجي.
ذكرت "واشنطن بوست" أن الكوكب يدور حول نجمه الأم (وهو قزم أحمر أصغر وأكثر برودة من شمسنا) مرة واحدة كل 33 يومًا، ويقع في المنطقة الصالحة للسكن من نظامه الكوكبي، حيث يمكن للماء أن يبقى في حالته السائلة.
تلسكوب جيمس ويب
استخدم العلماء تلسكوب جيمس ويب الفضائي لدراسة الكوكب، ووفقًا لـ"واشنطن بوست"، في عام 2023، أبلغ مادوسودان وزملاؤه عن اكتشاف ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي للكوكب، بالإضافة إلى إشارات أولية لوجود ثنائي ميثيل الكبريت.
شرحت "نيويورك تايمز" أن أسلوب الرصد اعتمد على تحليل الضوء النجمي المار عبر الغلاف الجوي للكوكب أثناء عبوره أمام نجمه، إذ تتغير الأطوال الموجية للضوء بنمط يمكن للعلماء من خلاله استنتاج التركيب الكيميائي للغلاف الجوي.
وراقب الفريق الكوكب لمدة ثماني ساعات إضافية في أبريل باستخدام أداة الأشعة تحت الحمراء المتوسطة في التلسكوب.
وكما نقلت "نيويورك تايمز"، صرح مادوسودان: "أمضينا وقتًا هائلًا في محاولة التخلص من الإشارة.. كانت مدهشة حقًا.. إنها صدمة للنظام.. أعتقد بصراحة أن هذا هو أقرب ما وصلنا إليه لسمة يمكننا أن ننسبها إلى الحياة".
بين الحماس والحذر
وصف مادوسودان، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز"، الاكتشاف بأنه "لحظة ثورية" و"المرة الأولى التي ترى فيها البشرية علامات بيولوجية محتملة على كوكب صالح للسكن"، ومع ذلك شدد على أنه "ليس من مصلحة أحد الادعاء مبكرًا أنه تم اكتشفا حياة".
نقلت "واشنطن بوست" عن وكالة ناسا قولها في بيان: "إن اكتشاف الحياة في مكان آخر في الكون سيكون عملية، واكتشاف بصمة بيولوجية محتملة واحدة لا يشكل اكتشافًا للحياة"، كما أوضحت أن البحث عن "بصمات بيولوجية، أو غازات ينتجها فقط الكائنات الحية، يمثل تحديًا لتلسكوب جيمس ويب".
أوردت "نيويورك تايمز" رأي ستيفن شميدت، عالم الكواكب في جامعة جونز هوبكنز، الذي قال: "إنه ليس لا شيء.. إنه تلميح.. لكننا لا نستطيع أن نستنتج أنه صالح للسكن بعد".
وأضاف كريستوفر جلين من معهد ساوثويست للأبحاث: "ما لم نر كائنات فضائية تلوح لنا، فلن يكون هناك دليل قاطع".
الخطوات القادمة
يأمل العلماء الحصول على وقت مراقبة إضافي مع تلسكوب ويب لتعزيز الأدلة، وذكرت "نيويورك تايمز" أن ناسا تعمل على تصميم وبناء تلسكوبات فضائية أكثر قوة للبحث عن علامات الحياة على الكواكب البعيدة، بما في ذلك K2-18b.
الصحيفة نقلت أيضًا عن جوشوا كريسانسن-توتون، عالم الأحياء الفلكية في جامعة واشنطن، قلقه من أن علماء الأحياء الفلكية قد لا يتمكنون من متابعة هذه النتائج في ظل خطط تخفيض ميزانية العلوم في ناسا، ما قد يؤدي إلى "توقف البحث عن الحياة في أماكن أخرى".