رغم أنه لم يرَ النور بعينيه، إلا أنه أضاء للموسيقى دربًا لم يسلكه أحد قبله، فأنصت له العالم طويلًا وأبصر الناس من خلاله كيف يمكن أن تتحول الإرادة إلى عبقرية خالدة، إنه الموسيقار المصري الراحل عمار الشريعي، الذي يحل اليوم 16 أبريل ذكرى ميلاده الـ77.
احتفلت قناة "القاهرة الإخبارية" اليوم بذكرى ميلاد العبقري الذي لم يرحل أثره، من خلال تخصيص فقرة في برنامج "صباح جديد"، استعرضت إرثه الفريد الذي لا يزال يلامس وجدان الجمهور حتى بعد رحيله، فهو لم يكن مجرد موسيقار، بل ملهم، ومعلّم، ومبتكر.. غاب الجسد، وبقي الصوت والإحساس، وموسيقاه تدفئ الذاكرة، وتعيد تشكيل وجدان جيل كامل.
وفي مداخلة هاتفية للكاتب المصري سعيد الشحات، مؤلف كتاب "عمار الشريعي.. سيرة ملهمة"، أكد أن الكتاب ثمرة لقاءات مطوّلة جمعته بالشريعي بدأت عام 1996، موضحًا أن الشخصية التي كشفها عن قرب تجاوزت مجرد كونه موسيقارًا متميزًا، بل كانت نموذجًا إنسانيًا فريدًا في العطاء والتفرد والتحدي.
رؤية عبقري
يروي الكاتب المصري، موقفًا مؤثرًا جمعه في لقائه الأول بعمار الشريعي، الذي ينم عن عبقرية بصيرته، قائلًا: "طلب مني الانتظار دقائق لانشغاله بضبط شاشة التلفزيون مع فني، كنت مذهولًا مما رأيته، كأنه يرى تفاصيل الشاشة بوضوح رغم فقدانه للبصر، ثم التفت إليّ بابتسامة وقال: "أكيد دلوقتي بتقول إيه اللي عمله الأعمى ده؟"، لحظة عكست ليس فقط قدراته الحسية العالية، بل أيضًا خفة ظله ووعيه بنفسه وتحديه لواقعه.
تأثير نشأته
أكد الكاتب سعيد الشحات، أن عمار الشريعي ولد في محافظة المنيا لعائلة أرستقراطية إقطاعية ذات خلفية وطنية، فجده مراد باشا الشريعي كان من قادة حزب الوفد وله باع طويل في مقاومة الاحتلال الإنجليزي، أما والده فكان دارسًا بجامعة السوربون، هذا المناخ الثقافي والوطني شكل وجدانه وفتح أمامه آفاقًا تقدمية، كانت حاضرة في كل ما قدمه من موسيقى تعبّر عن روح العصر وهموم الناس.
بصمة لا تُنسى
أشار إلى أن أولى خطواته المؤثرة في عالم الدراما التلفزيونية انطلقت من خلال مسلسل "الأيام" المأخوذ عن سيرة عميد الأدب العربي طه حسين، الذي غنّى فيه علي الحجار أكثر من 50 أغنية من ألحان الشريعي، ليرسخ بذلك مفهوم الأغنية داخل الدراما، ويضع حجر الأساس لما عُرف لاحقًا بموسيقى التتر، التي أصبحت علامة مميزة في أعماله، وأن موسيقاه كانت جزءًا أصيلًا من العمل وليست نشازًا أو مقحمة.
طوّر آلة الأورج
أضاف "الشحات"، أنه لم يتوقف عطاؤه عند التأليف والتلحين، بل طوّر آلة الأورج بإضافة الموسيقى الشرقية إليها من خلال تواصله مع الشركة اليابانية المُصنّعة، لتُسجل هذه المساهمة العالمية باسمه، أما موسيقاه، فقد صدحت بها المسارح الكبرى حول العالم، لتبقى شاهدة على عبقرية تجاوزت الجغرافيا والقيود.
وكان عمار الشريعي حاضرًا في الأعمال الدرامية، إذ حملت معظم التترات الشهيرة في الثمانينيات والتسعينيات توقيعه، إذ تعاون مع عمالقة الشعر العربي العامي مثل عبدالرحمن الأبنودي، أحمد فؤاد نجم، وسيد حجاب، الذي شكّل معه ثنائيًا استثنائيًا رسّخ مدرسة فنية خالدة في كتابة وغناء التتر.