الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الصين تبحث عن البدائل.. مزارعو أمريكا يدفعون ثمن طموح ترامب

  • مشاركة :
post-title
المزارعون الأمريكيون يدفعون ثمن طموح ترامب

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

عندما وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ملف التجارة مع الصين على رأس أولوياته، كان يظن كثيرون أن المعركة ستعود بالنفع على "أمريكا أولًا"، وعلى وجه الخصوص على المزارعين الذين شكّلوا قاعدة انتخابية صلبة له في الولايات الريفية، لكن الرياح التجارية، كما يبدو، جرت بعكس ما يشتهيه هؤلاء المزارعون.

اليوم، يبدو أن فول الصويا – المحصول الذهبي في ولايات الوسط الأمريكي – يدفع ثمن الرسوم الجمركية، لا في مخازن الأسواق العالمية، بل في حسابات الناخبين الذين يشعرون بأن سياسات ترامب قد حصدت ما زُرعَ في غير موسمه.

تصعيد جمركي غير مسبوق

في خطوة مفاجئة وصفتها شبكة "سي إن إن" الأمريكية بالتصعيد الشامل، فرض الرئيس دونالد ترامب رسومًا جمركية إضافية بنسبة 145% على جميع الواردات الصينية، وعلى الرغم من توقفه عن فرض رسوم مماثلة على دول أخرى، اختار ترامب أن يمضي قدمًا في التصعيد مع بكين، التي لم تتردد في الرد، مؤكدةً أنها "ستقاتل حتى النهاية" إذا استمرت الولايات المتحدة في تلك السياسات العدائية.

ولم يطل الوقت حتى رفعت الصين هي الأخرى الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية بشكل كبير، ما فتح فصلًا جديدًا من فصول الحرب التجارية التي لا يبدو أن نهايتها قريبة.

فول الصويا في قلب العاصفة

يُعد فول الصويا أحد أبرز رموز التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة، حيث يُستخدم في الغالب كعلف للحيوانات، ويشكل نسبة كبيرة من صادرات القطاع الزراعي الأمريكي. لكن تلك الأهمية لم تشفع له في حرب الرسوم.

فالصين، التي تعتمد بشكل رئيسي على استيراد المنتجات الزراعية الأمريكية، وبخاصة فول الصويا، بدأت منذ الحرب التجارية الأولى عام 2018 بالبحث عن مصادر بديلة، خوفًا من الاعتماد على سوق قد يصبح رهينة السياسة.

الآن، ومع فرض رسوم جمركية جديدة تصل إلى 125% على جميع الواردات الأمريكية، يتوقع المحللون أن تنخفض واردات الصين من فول الصويا الأمريكي إلى مستويات تقترب من الصفر.

رسوم عقابية مزدوجة

تشير شبكة "سي إن إن" إلى أن صادرات فول الصويا الأمريكية أصبحت اليوم خاضعة لتعريفة جمركية إجمالية تبلغ 135%، نتيجة لدمج تعريفتين فرضتا في مارس ويوم الجمعة الماضي.

وبينما تكافح الولايات المتحدة للحفاظ على حصتها في السوق الصينية، تواصل البرازيل تقدمها بخطى ثابتة، إذ شهدت صادراتها من فول الصويا إلى الصين نموًا تجاوز 280% منذ عام 2010، ما جعلها الشريك التجاري الزراعي الأول لبكين.

وبحسب الشبكة الأمريكية، فإن زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينج إلى البرازيل العام الماضي هدفت إلى توطيد هذا التعاون الزراعي، وتُوّجت في عام 2024 حين أصبحت الصين تستحوذ على 73% من صادرات فول الصويا البرازيلي.

ومع توقعات بأن يصل محصول فول الصويا البرازيلي هذا العام إلى مستويات قياسية، فإن الاعتماد الصيني على هذه السوق، إلى جانب أسواق الأرجنتين، سيجعل مهمة المزارعين الأمريكيين في العودة إلى المنافسة أكثر تعقيدًا.

خسائر فادحة

خلال الحرب التجارية الأولى بين البلدين في عام 2018، خسر المزارعون الأمريكيون نحو 27 مليار دولار، منها 71% بسبب فول الصويا، وفقًا لما ذكرته الجمعية الأمريكية لفول الصويا.

واليوم، وبعد تصعيد جديد قد تكون تداعياته أكبر، يبدو أن المزارعين في ولايات مثل إلينوي ومينيسوتا وهما من أكبر الولايات المنتجة لفول الصويا يعيشون حالة من القلق، والمفارقة أن هذه المناطق كانت من أبرز الداعمين لترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، باستثناء هاتين الولايتين اللتين صوتتا لنائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس.

وهكذا، يبدو أن الحرب التجارية لم تنعكس بشكل إيجابي على القاعدة الانتخابية لترامب، بل وضعتها أمام تحديات اقتصادية قد تغيّر اتجاهات التصويت مستقبلًا.

تحالفات جديدة

في ظل تضييق الخناق على الصادرات الأمريكية، تتجه الصين لتوسيع تحالفاتها التجارية، فقد أعلنت الخميس الماضي عن نيتها تعزيز التنسيق مع دول رابطة جنوب شرق آسيا "آسيان"، في مسعى لإيجاد بدائل عن السوق الأمريكية.

كما ناقش وزير التجارة الصيني مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي استئناف محادثات تخفيف القيود التجارية، وبحث ملفات تتعلق بالسيارات الكهربائية وغيرها من الملفات الحيوية.

وبذلك، تتجه الصين نحو بناء شبكة من الشراكات المتعددة، تتيح لها تفادي الأضرار الناتجة عن العقوبات، وتقلّص من أهمية الولايات المتحدة كمورد رئيسي للسلع الزراعية والسلع الاستراتيجية.

على الرغم من النوايا السياسية المعلنة لإعادة التوازن في العلاقات التجارية بين بكين وواشنطن، إلا أن الواقع الميداني يظهر أن مزارعي الولايات المتحدة باتوا الحلقة الأضعف في هذه الحرب، إذ لم تؤدّ الرسوم المرتفعة إلا إلى خسارة حصص في الأسواق، وزيادة الاعتماد الصيني على أسواق بديلة، وتحميل الناخبين الأمريكيين خاصة في الريف تكلفة استراتيجية تبدو بعيدة كل البُعد عن مكاسبهم الاقتصادية المباشرة.