كشف استطلاع حديث لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن انقسام غير مسبوق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول السياسة الخارجية، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي يتولى السلطة في يناير 2025.
مواقف متناقضة
أشار الاستطلاع إلى مواقفة 81% من الجمهوريين على أن الحلفاء لم يتحمّلوا مسؤولية كافية عن مهام دفاعهم، وأن الولايات المتحدة يجب أن تتوقف عن استخدام أموال دافعي الضرائب للدفاع عنهم، بالمقابل، أيّد 83% من الديمقراطيين أن التحالفات الدولية مصدر قوة وينبغي دعمها بأموال دافعي الضرائب.
وتوضح الصحيفة الأمريكية أن هذا الاختلاف يعكس تبني الجمهوريين وجهة نظر أكثر انعزالية، بينما يواصل الديمقراطيون دعم التحالفات الدولية.
ووفقًا لمجلس شيكاغو للشؤون العالمية، اتسعت الفجوة بين الحزبين من 15 نقطة في 2019 إلى 30 نقطة بحلول 2023، حيث رأى 80% من الديمقراطيين فائدة من التحالفات الأمنية مع أوروبا، مقابل 50% فقط من الجمهوريين.
ظهر هذا التباين أيضًا في المواقف من حلف الناتو، إذ يحمل 81% من الديمقراطيين نظرة إيجابية تجاه الحلف، مقارنة بـ 31% فقط من الجمهوريين. وتقول دينا سميلتز، خبيرة استطلاعات السياسة الخارجية في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية: "الديمقراطيون هم أبطال العولمة الأمريكية وتعدد الأطراف، بما في ذلك التحالفات".
أزمة أوكرانيا
أيّد 83% من الديمقراطيين استمرار المساعدات المالية لأوكرانيا في دفاعها ضد روسيا، بينما عارض 79% من الجمهوريين ذلك.
وخلال عامي 2023 و2024، كان الديمقراطيون يرون أن الولايات المتحدة بحاجة إلى بذل المزيد لدعم أوكرانيا، في حين رأى الجمهوريون أن الولايات المتحدة تفعل أكثر مما ينبغي.
على مستوى جميع الناخبين، أيّد 49% استمرار المساعدات لأوكرانيا، مقابل معارضة 44%.
وتعكس هذه الإحصائيات مواقف قادة الحزبين، حيث دعّم الرئيس السابق جو بايدن الدفاع عن أوكرانيا "طالما تطلب الأمر"، بينما يفضّل ترامب ونائبه جي دي فانس التوسط لإنهاء الحرب مع روسيا بدلًا من مواصلة دعم كييف.
رفض شعبي لطموحات ترامب
كشف الاستطلاع عن معارضة واسعة لطموحات الرئيس ترامب في توسيع الأراضي الأمريكية لتشمل جرينلاند وكندا، إذ رأى 62% من الناخبين أن هذه الفكرة سيئة، بينما اعتبرها 25% فقط فكرة جيدة ستعزز الأمن القومي والاقتصاد الأمريكي.
حتى بين الجمهوريين، لم تحظ الفكرة بدعم واسع، إذ اعتبر 51% منهم تعليقات ترامب حول التوسع الإقليمي فكرة جيدة، بينما رآها 28% فكرة سيئة - وهي أغلبية أضيق بكثير مما قدمه الناخبون الجمهوريون لمعظم مقترحات الرئيس الأخرى.
التجارة والتعريفات الجمركية
تباينت المواقف بشأن التجارة الحرة بشكل حاد، إذ اعتبر 77% من الجمهوريين أن التعريفات الجمركية تساعد في خلق وظائف أمريكية وهي مفيدة، بينما قال 93% من الديمقراطيين إنها ترفع الأسعار وتمثل قوة سلبية.
أُجري الاستطلاع قبل الانهيار الكبير في سوق الأسهم بعد إعلان ترامب عن تفاصيل التعريفات الجمركية على معظم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
سياسة الهجرة والترحيل
حظيت سياسة ترحيل أعضاء العصابات غير الشرعيين إلى السلفادور بتأييد 62% من المستطلعين، بينما عارضها 32%، كما أيدت الأغلبية عمليات الترحيل حتى دون جلسة استماع في المحكمة لإثبات انتماء المشتبه بهم للعصابات.
الجدير بالذكر أن إدارة ترامب اعترفت الأسبوع الماضي بأنها أرسلت عن طريق الخطأ رجلًا من ماريلاند يشتبه في صلته بعصابة MS13 إلى سجن في السلفادور، رغم أن فانس وقيادات أخرى تواصل الدفاع عن القرار.
منهجية الاستطلاع
أجرت صحيفة "وول ستريت جورنال" استطلاعها على 1,500 ناخب مسجل عبر الهاتف في الفترة من 27 مارس حتى 1 أبريل 2025، مع الوصول لبعض المستجيبين عبر رسائل نصية وإجراء الاستطلاع عبر الإنترنت، وبلغ هامش الخطأ للعينة الكاملة زائد أو ناقص 2.5%.
وتختتم الصحيفة بالإشارة إلى أن نتائج هذا الاستطلاع تكشف عن انقسامات عميقة في المشهد السياسي الأمريكي حول قضايا السياسة الخارجية، في وقت يقود فيه الرئيس ترامب البلاد نحو مسار جديد يعتمد على توجهات أكثر انعزالية وشكوكًا تجاه التحالفات الدولية.
هذه التوجهات تعكس تحولًا عميقًا في الرأي العام الأمريكي، خاصة بين مؤيدي الحزب الجمهوري، ومن المرجّح أن تؤثر بشكل كبير على العلاقات الدولية للولايات المتحدة وموقفها في الساحة العالمية خلال السنوات المقبلة، ما يضع تحديات جديدة أمام المجتمع الدولي للتكيف مع هذه المتغيرات.