في كل صباح، حين يفتح الأمريكيون ثلاجاتهم بحثًا عن وجبة بسيطة تضم بيضتين مقليتين بجانب قطعة خبز، قد يفاجَأ البعض منهم بأن هذه العادة اليومية لم تعد في متناول الجميع بعدما أصبح البيض، رمز الإفطار الأمريكي التقليدي، عملةً نادرةً وغالية في أسواق الولايات المتحدة، وبدأ سعره يصعد كما لو كان يتنافس مع الذهب على مكانة الصدارة.
ما بين الأوبئة والقرارات السياسية وحمى التضخم، تحوّل هذا المنتج المتواضع إلى مؤشر اقتصادي حيّ، يعكس اضطرابات سلسلة الإمدادات وعجز السياسات أمام جوائح متجددة.
أزمة متصاعدة في سعر البيض
في تقرير نشرته صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية، كشفت أن متوسط سعر كرتونة البيض (اثنتا عشرة بيضة) في الولايات المتحدة قد بلغ في فبراير 2025 مستوى غير مسبوق وصل إلى 5.90 دولار، وقد شكّل هذا الرقم قفزة بنسبة 17% عن الشهر السابق، وزيادة مذهلة بنسبة 80% منذ بداية عام 2024، وفقًا لمؤشر أسعار المستهلك الأمريكي.
وقد تجاوز هذا السعر الرقم القياسي السابق البالغ 4.82 دولار، الذي سُجّل في يناير 2023، ويبدو أن هذه الأرقام ليست سوى بداية، إذ إن الأسعار لا تُظهر أي إشارات على التباطؤ.
إنفلونزا الطيور والتضخم
على الرغم من أن التضخم الاقتصادي يظل سببًا بارزًا، إلا أن هناك عاملًا أكثر خطورة يكمن خلف أزمة تفشي إنفلونزا الطيور، وقد أدى انتشار هذا المرض إلى إعدام ملايين الدجاج بهدف منع العدوى، ما تسبب في تراجع المعروض من البيض بشكل كبير.
ووفقًا لتقرير "رويترز" بتاريخ 21 فبراير، فإن إنفلونزا الطيور تسببت في نقص هائل في العرض، حتى إن بعض رفوف متاجر البقالة أصبحت شبه خالية من البيض، وأكد التقرير أن الملايين من الطيور تم إعدامها، خصوصًا في ولايات إنتاجية كبرى مثل آيوا وأوهايو، ما أدّى إلى تفاقم النقص وتضاعف الأسعار.
تفاوت الأسعار بين الولايات
ليس من الغريب أن تختلف الأسعار من ولاية إلى أخرى، لكن في حالة البيض، أصبح هذا التفاوت صارخًا، فقد أظهر تقرير "ذي إندبندنت" أن الولايات التي تفرض قيودًا أكثر صرامة مثل كاليفورنيا -التي تشترط بيع البيض من دون قفص- تُسجّل أسعارًا فلكية.
في كاليفورنيا، وصل سعر كرتونة مكونة من 20 بيضة إلى 13.49 دولارًا، أي ما يعادل 0.74 دولار للبيضة الواحدة. وفي ولاية بنسلفانيا، التي شهدت نفوق أكثر من مليوني طائر، بلغ سعر البيض الأبيض الخالي من القفص 6.40 دولار، في حين أن البيض البني بلغ 4.95 دولار.
أما ولاية أوهايو، فقد تصدّرت الولايات من حيث عدد الإصابات بإنفلونزا الطيور، حيث نُفّذ إعدام لأكثر من 10 ملايين طائر، ما أدى إلى زيادة كبيرة في الأسعار على مستوى المطاعم والمستهلكين.
غضب وسخرية لاذعة
لم يكن المواطن الأمريكي بحاجة إلى تقارير حكومية ليدرك حجم الأزمة، فقد تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى منبر يعكس حالة الصدمة والغضب.
وحسب "نيويورك تايمز" ففي ولاية ألاباما، نشرت فاليري وايلدر مقطع فيديو على فيسبوك تُظهر فيه قفزة سعرية في كرتونة البيض من 3.82 إلى 6.82 دولار في أسبوعين فقط، أما جريج ويتر من ماساتشوستس فقد علّق قائلًا: "انسَ المتوسط الوطني، هذا أمر سخيف!". وفي مدينة دنفر، وثّق نيك ريتشاردز أن السعر قفز من 7.69 إلى 8.49 دولار في أسبوع واحد فقط.
وسخرت إميلي تافيرسا من ولاية إنديانا من الموقف قائلة: "هل أوفر لرحلة بحرية أم أشتري البيض؟ التكلفة متقاربة". أما في نيويورك، فقد أفاد أحد الزبائن أن سعر 18 بيضة بلغ 18 دولارًا – أي دولار لكل بيضة.
سياسة ترامب وبايدن
مع تصاعد الأزمة، اتجهت الأنظار إلى الساحة السياسية، وقد ألقى بعض الجمهوريين باللوم على إدارة جو بايدن، متّهمين سياساته بالتسبّب في تفاقم التضخم، ومن ثم ارتفاع الأسعار، بينما أشارت "ذي إندبندنت" إلى أن سعر البيض بلغ ذروته خلال فترة بايدن في يناير 2023.
الرئيس دونالد ترامب لم يفوّت الفرصة، إذ وعد في حملته الانتخابية الحالية بخفض أسعار البيض، مستشهدًا بأن السعر في فترته الأولى عام 2020 كان 1.50 دولار فقط، وقد أكد في تصريح لصحيفة "نيويورك تايمز" أن "سعر البيض انخفض بنسبة 59%" منذ توليه الحكم، مشيرًا إلى أن التوفر أصبح جيدًا.
لكن الحقيقة تبقى أكثر تعقيدًا، إذ تشير وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن أسعار التجزئة عادةً ما تتأخر عن أسعار الجملة، التي شهدت انخفاضًا بنسبة 54% منذ يناير الماضي، لكن أثرها لم ينعكس بعد في المتاجر.
كوارث زراعية وخسائر وطنية
تشير "رويترز" إلى أن وزارة الزراعة الأمريكية أعلنت أن إجمالي عدد الطيور التي نُفقت أو أُعدمت بسبب إنفلونزا الطيور منذ 2022 تجاوز 163 مليون طائر، وفي يناير وحده، نفق 19.5 مليون دجاجة بياضة، وهو أعلى رقم شهري منذ بدء تفشي المرض في 2022.
هذه الخسائر الفادحة أثّرت بشكل مباشر على قدرة المزارع على استعادة إنتاجها، إذ تتطلب العملية التخلص من الطيور النافقة، وتطهير الحظائر، وإعادة تكوين الأسراب – وهو ما قد يستغرق شهورًا.
يبدو أن الطريق إلى التعافي لن يكون سريعًا، فتوقعات وزارة الزراعة الأمريكية ترجّح ارتفاع أسعار البيض بنسبة 57.6% في عام 2025 مقارنة بالعام السابق، مع احتمال استمرار هذه الموجة حتى نهاية العام.
وقد لجأت بعض المتاجر إلى تحديد كميات البيض المسموح بشرائها لكل زبون، في محاولة للحد من الشراء المفرط والاحتكار. فيما بدأت الحكومة الأمريكية استيراد كميات كبيرة من البيض من دول مثل تركيا لتعويض النقص.
لكن الحل الجذري يبقى رهنًا بتراجع انتشار إنفلونزا الطيور واستقرار سلاسل الإمداد، وهو ما لا يبدو وشيكًا في ظل استمرار الإصابات.