الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

7 دقائق فضحت جيش الاحتلال.. "إعدام المسعفين" عار يلاحق إسرائيل

  • مشاركة :
post-title
قبل لحظات من إطلاق إسرائيل النار على فريق المسعفين

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في زمن باتت فيه الصورة أقوى من ألف بيان، خرج مقطع فيديو من قلب الموت لا تتجاوز مدته سبع دقائق ليقلب إحدى الروايات الرسمية لجيش الاحتلال الإسرائيلي رأسًا على عقب، ويكشف بصريًا ما حاولت البيانات العسكرية إنكاره، ويوثّق لحظة مفصلية دامية بين الحياة والموت.

ليس مجرد تسجيل عابر، بل شهادة دامغة سجّلها أحد المسعفين قبل أن يلقى حتفه مع كل من كان بصحبته، الذين عُثر على جثثهم لاحقًا في مقبرة جماعية في رفح جنوب قطاع غزة.

اللقطات المصورة، التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، شكّلت نقطة تحول خطيرة في مسار التحقيقات بشأن مجزرة قافلة الإغاثة التي ارتكبتها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم 23 مارس.

مقطع غيّر المعادلة

وتداولت آلاف الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع الفيديو الذي يُفصح عن الحقيقة، ونشرته العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، إذ ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن مقطع الفيديو عُثر عليه في هاتف أحد المسعفين الـ15 الذين قُتلوا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في رفح، ودُفنوا في مقبرة جماعية.

ويُظهر المقطع، ومدته 7 دقائق، تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل وقوع المجزرة، ويكشف بشكل لا لبس فيه أن أضواء الطوارئ في قافلة سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر وشاحنة الإطفاء كانت تعمل ومضاءة بوضوح، وهو ما يناقض كليًا رواية جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي زعم أن المركبات كانت تتحرك بطريقة مريبة دون إشارات أو أضواء.

وأكّد مسؤولو الهلال الأحمر الفلسطيني، في بيان رسمي، أن الفيديو تم تقديمه رسميًا إلى مجلس الأمن الدولي ليكون ضمن الأدلة المقدمة في إطار تحقيق دولي محتمل.

أضواء الطوارئ وطلقات الموت

يوثّق الفيديو لحظة تحرك قافلة الإغاثة في الساعات الأولى من صباح يوم 23 مارس المنقضي، جنوبًا على الطريق الشمالي لمدينة رفح الفلسطينية، وكانت القافلة مؤلفة من خمس سيارات إسعاف وشاحنة إطفاء، كلها تحمل علامات واضحة وأضواء وامضة.

ويتوقف الموكب على جانب الطريق بعد أن يصادف مركبة مدنية من الواضح أنها انحرفت عن مسارها، ليترجّل عدد من المسعفين، من بينهم اثنان يرتديان زيًا رسميًا، ويتوجهون نحو السيارة المنحرفة لتقديم المساعدة.

وفي هذه اللحظة، تبدأ الكارثة، بسماع دوي إطلاق نار كثيف، يتخلله صراخ واستغاثات، تهتز الكاميرا، وتسود الشاشة للحظات، وتستمر الطلقات النارية لخمس دقائق متواصلة تقريبًا، بحسب ما وثّقته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية التي نشرت الفيديو بتحليل صوتي، تخللته تسجيلات لأوامر عسكرية باللغة العبرية يُعتقد أنها صدرت من قوات الاحتلال.

كاميرا تواجه بيانات كاذبة

الرد الإسرائيلي على الحادثة جاء عبر بيان رسمي لجيش الدفاع الإسرائيلي، زعم فيه أن القافلة "اقتربت من القوات بشكل مريب دون أضواء طوارئ أو تنسيق مسبق، ولذلك تم التعامل معها على أنها تهديد محتمل"، وزعم جيش الاحتلال أن "9 من القتلى كانوا عناصر من حركتي حماس والجهاد الإسلامي".

الفيديو المصوّر يُكذّب هذه الرواية بشكل صريح، ويشير إلى أن القافلة كانت ظاهرة بوضوح كمركبات طوارئ، وأنها كانت تقوم بمهمة إنسانية بعد تلقي بلاغ عن إصابات مدنية في المنطقة.

الصحافة العالمية، من بينها "نيويورك تايمز"، و"أسوشيتدبرس" و"ذا جارديان" و"بي بي سي"، شككت في مصداقية الرواية العسكرية الإسرائيلية، واعتبرت أن التصريحات الرسمية لا تتماشى مع الأدلة البصرية والصوتية.

دفن الضحايا بالجرافات

نشرت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية شهادات ميدانية مروعة تفيد بأن عمّال الإغاثة الذين قُتلوا في الهجوم تم ربطهم من أيديهم وأرجلهم، ثم أُعدموا رميًا بالرصاص من مسافة قريبة، كما أفادت بأن جرافات تابعة لجيش الاحتلال، ظهرت في صور أقمار صناعية تم التقاطها بعد الحادث بساعات، شاركت في دفن جثث الضحايا في مقبرة جماعية، وذلك في محاولة لإخفاء معالم الجريمة.

وحللت صحيفة "التايمز" البريطانية صورًا ملتقطة بالأقمار الصناعية أظهرت في البداية خمس سيارات إسعاف وشاحنة إطفاء متمركزة في موقع الحادث، ثم اختفت المركبات تمامًا بعد يومين، لتظهر مكانها سواتر ترابية وثلاث جرافات عسكرية.

تحقيق إسرائيلي لا يُطمئن

ردًا على ما نشرته الصحف الغربية، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال إن "الواقعة قيد تحقيق شامل، وإن جميع الوثائق، بما في ذلك الفيديو، ستُفحص بدقة لفهم الملابسات".

وأضاف أن "قوات الجيش كانت قد تواصلت مع منظمات دولية عدة مرات لتنسيق عمليات الإخلاء، لكن العملية تأخرت، ما اضطر القوات إلى تغطية الجثث بالرمل والقماش لحمايتها".

وحسب "يديعوت أحرونوت"، فرغم هذا التبرير، فإن توقيت الدفن وتفاصيله، حسب ما كشفته الصحف، يشير إلى محاولة منهجية لإخفاء أدلة الجريمة، وهو ما يعزّز الشكوك في كون الحادثة لم تكن نتيجة خطأ عسكري بل جريمة متعمدة.

من جانبها، قالت هيئة البث الإسرائيلية، إن القيادة الجنوبية في الجيش أعدت تحقيقًا أوليًا بحادث المسعفين برفح الفلسطينية.

وأضافت أنه سيتم تقديم التحقيق، غدًا الأحد، إلى رئيس أركان الجيش.

شبح جرائم الحرب يلوح

في أعقاب انتشار الفيديو، دعا المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى فتح تحقيق دولي ومستقل في مقتل المسعفين، وقال "تورك" في بيان رسمي: "الحادث يثير مخاوف جدية من احتمال ارتكاب جرائم حرب من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي"، مشيرًا إلى أن القانون الدولي الإنساني يوجب حماية طواقم الإغاثة والعاملين في المجال الإنساني، ولا يجيز استهدافهم تحت أي ظرف.

كما أعربت منظمات حقوقية دولية عن قلقها العميق من الطريقة التي تعاملت بها إسرائيل مع هذا الحادث، خاصة في ظل تكرار حوادث مشابهة منذ بداية العمليات العسكرية في غزة.

شهادات الضحايا وحرب السرديات

وبحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن الضحايا كانوا ضمن فريق وصل إلى مكان الاشتباكات للبحث عن زملائهم الذين تعرّضوا للهجوم في اليوم السابق، وأكد التقرير أن معظم الضحايا كانوا من موظفي الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني، إضافة إلى موظف على الأقل من الأمم المتحدة.

ويقول أحد مسؤولي الهلال الأحمر: "ذهبوا لإنقاذ الأرواح فعادوا جثثًا هامدة.. هذه ليست معركة عسكرية، بل جريمة مكتملة الأركان".