في خضم التوترات السياسية المتصاعدة على خلفية حرب الإبادة الجماعية التي تقودها دولة الاحتلال الإسرائيلي على غزة، امتدت المواجهة إلى الجامعات الأمريكية، حيث أثارت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ردود فعل قوية من جهات مؤيدة لإسرائيل.
وبينما كانت هذه الاحتجاجات تهدف إلى تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين والمطالبة بوقف إطلاق النار، ووفق تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية ظهرت تقارير تكشف عن جهود منظمات يهودية مثل "بيتار يو إس إيه" وغيرها من المجموعات الموالية لإسرائيل لجمع معلومات عن هؤلاء المتظاهرين، وتسليمها إلى السلطات الأمريكية بهدف ترحيلهم.
بداية الحملة
مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، بدأت موجة من الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية، منتقدة الرد العسكري الإسرائيلي وداعيةً إلى وقف إطلاق النار، لكن هذه الاحتجاجات لم تكن موضع ترحيب من الجميع، فقد وجد الناشط المؤيد لإسرائيل، روس جليك، نفسه غارقًا في سيل من الرسائل الإلكترونية التي تحتوي على صور ومقاطع فيديو ومعلومات عن المتظاهرين.
انضم جليك إلى منظمة "بيتار يو إس إيه"، وهي مجموعة صهيونية مقرها نيويورك، تُعرف بشعارها "اليهود يقاومون"، وسرعان ما بدأت هذه المنظمة بجمع وتحليل البيانات المتعلقة بالطلاب والأكاديميين المشاركين في الاحتجاجات، زاعمةً أنهم لا يكتفون بدعم الفلسطينيين، بل يحرضون أيضًا على العنف والكراهية تجاه اليهود.
وبحسب "سي إن إن"، فإن منظمة "بيتار" سلّمت بالفعل قوائم بأسماء مئات الطلاب والأكاديميين غير الأمريكيين المتظاهرين إلى إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، مطالبةً بترحيلهم.
وجاءت هذه التحركات بعد إصدار ترامب أمرًا تنفيذيًا في يناير 2024 يهدف إلى مكافحة معاداة السامية في الجامعات، والذي أتاح للحكومة ترحيل "المتعاطفين مع فلسطين" والأشخاص المشاركين في "الاحتجاجات المؤيدة للجهاد".
ردود فعل الحكومة الأمريكية
ورغم الادعاءات التي تفيد بتسليم القوائم إلى وزارة الأمن الداخلي وإدارة الهجرة والجمارك الأمريكية، لم تؤكد الحكومة رسميًا استخدامها لهذه المعلومات، وقال متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي لشبكة "سي إن إن" إن الإدارة "لا تتلقى أي إرشادات أو تعمل مع مجموعات مثل بيتار أو بعثة الكناري".
ومع ذلك، أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن الوزارة تستخدم "جميع التقنيات المتاحة" في فحص التأشيرات، مما يزيد من احتمالية تأثر بعض الأفراد بالمعلومات المقدمة من هذه المجموعات.
واستخدمت منظمة "بيتار" تقنيات متقدمة في تحديد هويات الطلاب، من بينها الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعرف على الوجه، بالإضافة إلى تحليل منشورات المتظاهرين على وسائل التواصل الاجتماعي والمحتويات الإعلامية.
وعندما أُبلغ عن هوية أحد الطلاب، كانت المنظمة تُنشئ ملفًا شخصيًا عنه، يتضمن صورًا ومقاطع فيديو وبيانات تتعلق بمواقفه السياسية، ثم تقوم بنشرها على الإنترنت أو تسليمها إلى الجهات الرسمية.
من بين أبرز الضحايا محمود خليل، وهو طالب دراسات عليا بجامعة كولومبيا، تم اعتقاله في مارس 2024 عقب مزاعم بأنه "قاد أنشطة مرتبطة بحماس"، رغم عدم تقديم أي أدلة ملموسة على ذلك، كما تعرضت رميسة أوزتورك، طالبة الدكتوراه في جامعة تافتس، للمصير نفسه، حيث تم اعتقالها خارج شقتها بعد اتهامها بالمشاركة في أنشطة داعمة لحماس.
انتهاكات لحقوق الإنسان
أثار نشر هذه القوائم ونقلها إلى السلطات الحكومية مخاوف قانونية وحقوقية كبيرة، وأكد خبراء قانونيون، وفق "سي إن إن" أن هذه الإجراءات قد تنتهك الحق في حرية التعبير والخصوصية، لا سيما إذا كانت الحكومة تستخدم معلومات غير موثوقة لمعاقبة الأفراد بناءً على آرائهم السياسية.
ميجان إيوريو، المستشارة القانونية البارزة بمركز معلومات الخصوصية الإلكترونية، قالت لـ"سي إن إن": "حتى لو لم تعجب بعض الناس آراء هؤلاء الطلاب، فإن من حقهم التعبير عنها"، مشيرةً إلى أن التشهير قد يكون أحد الجوانب القانونية التي يمكن ملاحقتها إذا ثبت نشر معلومات مضللة عن الأفراد.
أما صوفيا كوب، المحامية في مؤسسة الحدود الإلكترونية، فاعتبرت أن "الخطر الحقيقي يكمن في استخدام الحكومة لهذه المعلومات لمعاقبة الأفراد على أنشطة قانونية بحتة".
تأثير الحملة على حياة الطلاب
لم تقتصر تداعيات هذه الحملة على خطر الترحيل فقط، بل امتدت إلى التأثير على حياة الطلاب ومسيرتهم المهنية، سارة راسيخ، طالبة دراسات عليا بجامعة تورنتو، اكتشفت أن اسمها مدرج في موقع "مهمة الكناري"، وهو موقع ينشر قوائم سوداء للطلاب المؤيدين لفلسطين، بعد ذلك، تعرضت لسيل من التهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما أثر على حالتها النفسية وجعلها تخشى على سلامتها الشخصية.
وقالت راسيخ: "لقد حُرفت تصريحاتي بشكل كامل، وصُورت كما لو كنت أدعم الإرهاب، وهذا غير صحيح على الإطلاق".
وأثارت هذه القضية جدلًا واسعًا حول حدود حرية التعبير في الجامعات الأمريكية، وما إذا كان يمكن استغلال القوانين لمحاولة إسكات المعارضين، وبينما تؤكد المجموعات المؤيدة لإسرائيل أنها تسعى فقط لمكافحة معاداة السامية، يرى منتقدوها أن هذه الجهود تتجاوز ذلك بكثير، وتُستخدم كأداة لقمع الآراء المعارضة وفرض سياسات رقابة على الجامعات.