الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عدالة أمريكية مشوهة.. تناقض في التعامل بين تسريبات بايدن وترامب

  • مشاركة :
post-title
دونالد ترامب وجو بايدن

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

تمثل تسريبات المعلومات السرية أحد أكبر التهديدات التي تواجه الدول، وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن التعامل مع هذه القضايا يختلف بشكل كبير تبعًا للأطراف المعنية، ففي حين واجهت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون والرئيس السابق جو بايدن تدقيقًا شديدًا وعقوبات محتملة بسبب سوء التعامل مع وثائق سرية، فإن المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذين ارتبطوا بتسريبات خطيرة عبر تطبيق "سيجنال"، لم يواجهوا نفس مستوى المحاسبة.

يعكس هذا التناقض ما يمكن وصفه بازدواجية المعايير في تطبيق القانون، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى تسييس العدالة في الولايات المتحدة، وفي هذا التقرير، الذي يستند إلى تحقيقات شبكة "سي إن إن" الأمريكية، يسلط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين هذه الحوادث، وكيف يتم التعامل معها من قبل المسؤولين في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي.

ازدواجية معايير

عندما تورطت هيلاري كلينتون وجو بايدن في قضايا تتعلق بسوء التعامل مع وثائق سرية، دعا كبار المسؤولين في إدارة ترامب إلى تحقيقات جنائية صارمة وفرض عقوبات قاسية، من بين هؤلاء المسؤولين المدعية العامة بام بوندي، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل، ونائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي دان بونجينو، والمدعي العام المؤقت في واشنطن العاصمة إد مارتن، الذين طالبوا بمحاسبة كلينتون وبايدن باعتبارهما خرقا الأمن القومي.

في المقابل، عندما كشفت مجلة "ذا أتلانتيك" عن استخدام مسؤولين في إدارة ترامب لتطبيق "سيجنال" لمشاركة خطط عسكرية سرية، التزم هؤلاء المسؤولون الصمت أو دافعوا عن المتورطين.

مواقف متناقضة

في عام 2018، دافعت المدعية العامة الأمريكية بام بوندي بشدة عن ضرورة توجيه اتهامات إلى كلينتون بسبب العثور على رسائل بريد إلكتروني سرية في جهاز الكمبيوتر الخاص بزوجها السابق، ووصفت التسريب بأنه "تهديد مباشر للأمن القومي"، مؤكدة أن أي شخص لديه تصريح أمني سري يعرف أن مشاركة هذه المعلومات يمثل خرقًا جنائيًا.

في المقابل، وعندما تم الكشف عن محادثات "سيجنال" التي تضمنت مسؤولين كبارًا في إدارة ترامب، اعتبرت بوندي أن المعلومات التي تم تبادلها كانت "حساسة" لكنها ليست "سرية"، مؤكدة أن التحقيقات الجنائية غير مرجحة.

في عام 2021، وصف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل تسريب المعلومات السرية بأنه "جريمة فيدرالية تستوجب السجن لأكثر من عقد من الزمان"، ودعا إلى محاكمة من يسرب المعلومات بغض النظر عن منصبه، لكنه لم يبدِ أي رد فعل تجاه فضيحة "سيجنال جيت"، وفي 2024، انتقد قرار عدم توجيه اتهامات إلى بايدن، مدعيًا أن هناك معايير قانونية مزدوجة تُستخدم لصالح الديمقراطيين.

وانتقد نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي دان بونجينو بشدة قرار مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي بعدم توجيه اتهامات إلى كلينتون، معتبرًا أن ما فعلته كان يستوجب الإدانة القضائية، وادعى أن "كلينتون كانت ستدان بسهولة لو تم تقديم قضيتها أمام هيئة محلفين"، لكنه لم يوجه أي انتقادات للمسؤولين في إدارة ترامب الذين شاركوا معلومات حساسة عبر "سيجنال"، بل التزم الصمت حيال الأمر.

وفي عام 2023، اعتبر المدعي العام المؤقت في واشنطن العاصمة إد مارتن، أن امتلاك بايدن لوثائق سرية بمثابة "انتهاك واضح للقانون"، وفي 2018، كتب أن "أي شخص تقريبًا" يُسرّب معلومات سرية سيُسجن، لكنه أيضا لم يعلق على تسريبات "سيجنال جيت"، رغم أنه يملك صلاحية الإشراف على أي ملاحقات قضائية محتملة.

حماية المسؤولين

لم يقتصر التناقض في التعامل مع القضايا على التصريحات، بل امتد إلى الإجراءات القانونية، فرغم التشدد في ملاحقة كلينتون وبايدن، فإن وزارة العدل لم تعلن حتى الآن عن أي تحقيقات رسمية بشأن محادثات "سيجنال"، كما أن مكتب التحقيقات الفيدرالي رفض التعليق على المسألة، بحسب "سي إن إن". 

وتظهر هذه الازدواجية في تطبيق القانون ليس فقط على مستوى التصريحات، بل أيضًا في الإجراءات المتخذة ضد المسؤولين المعنيين، ففي حين خضعت كلينتون لتحقيقات مطولة وتمت مناقشة ملاحقتها قضائيًا، فإن المحادثات التي تضمنت مسؤولين في إدارة ترامب لم تواجه أي نوع من المساءلة القانونية حتى الآن.

ردود فعل الإعلام والرأي العام

وسلطت وسائل الإعلام الأمريكية الضوء على هذه الازدواجية، مشيرة إلى أن التعامل مع تسريبات المعلومات يعتمد على هوية الشخص المتورط وليس على طبيعة الفعل نفسه، ورأى بعض المراقبين أن هذه السياسات قد تضعف ثقة الجمهور في نزاهة تطبيق العدالة، فيما طالب سياسيون ونشطاء بضرورة فتح تحقيق مستقل في قضية "سيجنال جيت"، ومعاملة جميع القضايا وفق معايير موحدة.

وتكشف قضية "سيجنال جيت" عن نمط متكرر من ازدواجية المعايير في تطبيق القانون عندما يتعلق الأمر بتسريبات الأمن القومي، ففي الوقت الذي تمت فيه ملاحقة كلينتون وبايدن بشدة، يُترك المسؤولون المقربون من إدارة ترامب دون محاسبة، هذه الظاهرة تثير تساؤلات حول مدى نزاهة واستقلالية العدالة الأمريكية، وما إذا كانت هناك دوافع سياسية وراء التحقيقات الجنائية، وفق الشبكة الأمريكية.