الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

صراع متجدد يهدد الحكومة الفرنسية.. بايرو يواجه معضلة إصلاح التقاعد

  • مشاركة :
post-title
فرانسوا بايرو رئيس وزراء فرنسا

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

يواجه رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، تحديات كبرى في ملف إصلاح نظام التقاعد، الذي أشعل احتجاجات واسعة خلال السنوات الماضية، فيما أسدل تقرير محكمة الحسابات الفرنسية في 20 فبراير الجاري، الستار عن العجز المتوقع في نظام التقاعد الفرنسي، والذي سيبلغ 15 مليار يورو بحلول عام 2035 و30 مليار يورو بحلول 2045.

ويمهد التقرير لمفاوضات مرتقبة شاقة بين الشركاء الاجتماعيين قبل عودة هذا الملف المتفجر إلى البرلمان خلال الصيف المقبل، بحسب صحيفة "إكسبريس".

مأزق سياسي خطير

يواجه بايرو، الذي تولى منصب رئيس الوزراء مؤخرًا، انتقادات حادة بسبب تغير موقفه من إصلاح نظام التقاعد، فبحسب "إكسبريس"، صرح في 29 يناير 2023 بأن "سن التقاعد الذي رفعته إليزابيث بورن إلى 64 عامًا غير قابل للتفاوض"، معتبرًا إياه "جوهر الإصلاح".

وعاد بايرو بعد توليه السلطة ليشير في خطاب سياسته العامة في 14 يناير 2025 إلى "إعادة النظر في الإصلاح دون أي محرمات"، مع الحفاظ على "متطلب التوازن المالي للنظام".

وأشارت "إكسبريس" إلى أن هذا التغير في الموقف يأتي في إطار محاولات بايرو لاسترضاء الاشتراكيين، الذين يحتاج إلى دعمهم في برلمان منقسم بشدة.

ولهذا الغرض، اقترح عقد اجتماعات مطولة تبدأ اليوم الخميس (27 فبراير) لإجبار منظمات أرباب العمل والنقابات على العمل حتى التوصل إلى اتفاق، مع وعد بأن أي توافق -حتى لو كان جزئيًا- سيتم تحويله إلى مشروع قانون.

وأكد "بايرو"، في رسالة وجهها إلى القادة الاشتراكيين في 16 يناير الماضي، أن "البرلمان سيكون له الكلمة الأخيرة، في جميع الأحوال".

درع حماية

سعى بايرو إلى تأمين "درع" لنفسه من خلال طلب تقرير من محكمة الحسابات الفرنسية، وهي مؤسسة مستقلة، لتكون بمثابة أرضية موضوعية للنقاش، إلا أن هذه الأرقام جاءت مخيبة لآمال بايرو، إذ كان يتوقع أن يدرج بيير موسكوفيتشي، رئيس المحكمة، في حساباته مساهمة الدولة في تمويل معاشات موظفي الخدمة المدنية.

وكان بايرو تحدث منتصف يناير عن عجز بقيمة 55 مليار يورو بحلول عام 2030.

وذكرت الصحيفة أن حركة فرنسا الأبية والاتحاد العام للعمال (CGT) اعتبرا هذا التقرير بمثابة انتصار لهما ونكسة لرئيس الوزراء.

مكتب رئيس الوزراء يحاول التعامل مع الأمر بإيجابية، ونقلت الصحيفة عن مستشار لـ"بايرو" قوله: "محكمة الحسابات لا تقدم صورة كارثية للوضع، على الأقل لن يجد الشركاء الاجتماعيون أنفسهم أمام شيء مرعب لدرجة أنهم يتخلون عن المهمة".

وأضاف: "نحن نمنحهم فرصة ليكونوا عقلانيين.. في جنون العالم الكامل، هل يمكننا استعادة رشدنا؟".

فرانسوا بايرو في البرلمان الفرنسي
معضلة القوى السياسية

تعتزم قوى اليسار فرض حلولها الخاصة لمعالجة العجز، وتأمل عودة الموضوع إلى البرلمان بمجرد انتهاء "الخلوة".

وكان الأمين العام للحزب الاشتراكي، أوليفييه فور، طالب، في 14 يناير، بأن يتم عرض الأمر على الجمعية الوطنية "على أساس المقترحات التي قدمها مختلف الأطراف"، وهي صيغة أوسع من تلك التي اقترحها رئيس الوزراء.

وحذرت "إكسبريس" من أن الحسابات البرلمانية قد تكون قاسية على بايرو، ونقلت عن وزير سابق قوله: "لا أرى كيف يمكن لفرانسوا بايرو الخروج من هذا المأزق.. لقد أصبح الآن (فرانسوا المشوش).. كل شخص سمع ما أراد سماعه، لكن أي نص حول التقاعد يصل إلى الجمعية الوطنية الحالية سينتهي بإلغاء سن 64 عامًا، وإذا لجأت الحكومة إلى المادة 49.3، سيكون هناك تصويت بحجب الثقة".

بين المبادئ والمصالح الحزبية

يواجه الاشتراكيون، الذين يحاولون الابتعاد عن حلفائهم في فرنسا الأبية، لغزًا صعبًا أيضًا، فمن جهة، كيف يتجنبون تصويتًا بحجب الثقة قد يؤدي إلى حل البرلمان، وهو ما لم يعد بالضرورة في مصلحتهم، ومن جهة أخرى، كيف يتجنبون إسقاط الحكومة إذا كانت نتائج المفاوضات مخيبة للآمال؟

وأكدت "إكسبريس" أن ملف التقاعد أصبح رمزيًا للغاية بحيث لا يمكن تحمل أي تهرب، خاصة أن ضغط اليسار بأكمله سيكون رهيبًا.

واختتمت "إكسبريس" بتأكيد أن الحكومة الفرنسية أمام تحدٍ كبير، إذ تصف إحدى الوزيرات الوضع بأنه "طنجرة ضغط" يمكن أن تنفجر في أي لحظة.

وتساءلت الصحيفة: هل تتغلب الاعتبارات الحزبية على المبادئ الأيديولوجية في هذا الملف الشائك، وهل ينجح بايرو في تجاوز هذا الاختبار الصعب الذي قد يحدد مستقبل حكومته، خاصة أن القضية أثبتت تاريخيًا أنها من أكثر القضايا إثارة للجدل في المشهد السياسي الفرنسي.