الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ضبابية قانونية.. تصريحات البيت الأبيض تتناقض مع صلاحيات ماسك

  • مشاركة :
post-title
الملياردير الأمريكي إيلون ماسك والرئيس الأمريكي دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

لا يزال الصراع حول الدور الحقيقي للملياردير إيلون ماسك، المثير للجدل، داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب الجديدة التي تشكلت بعد فوزه في انتخابات نوفمبر الماضي، مشتعلًا، فبينما يتباهى ماسك عبر منصته "إكس" بصلاحياته الواسعة في إدارة كفاءة الحكومة (DOGE) التي أنشأها ترامب، قال البيت الأبيض إنه مجرد "موظف" عادي بلا سلطة اتخاذ القرار.

تناقض علني

وفقًا لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، يقدم "ماسك" نفسه عبر منصة "إكس" كمصارع نبيل مكلف بمهمة مباشرة من ترامب لتفكيك البيروقراطيات الفيدرالية، وإلغاء البرامج الممولة من دافعي الضرائب وتحويل مؤسسات واشنطن بشكل جذري، وتظهر تصريحاته المتكررة أنه يتمتع بصلاحيات واسعة تتيح له التدخل في عمل الوكالات الفيدرالية، وإلغاء العقود الحكومية، وإعادة هيكلة المؤسسات العامة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الإدارات الأمريكية السابقة.

على النقيض تمامًا، يصر البيت الأبيض في المحاكم وفي التصريحات العامة على أن ماسك مجرد مستشار عادي، لا يرتبط بشكل مباشر بعمليات "قسم كفاءة الحكومة" ولا يتمتع بأي سلطة حقيقية لاتخاذ القرارات.

وأقر مسؤول رفيع في البيت الأبيض هذا الأسبوع، في ردِّه على إحدى الدعاوى القضائية العديدة التي تطعن في أنشطة ماسك و"DOGE"، بأن ماسك هو مجرد "موظف" يعمل ضمن الهيكل الإداري العادي مثل باقي مستشاري الرئيس، ولا يمتلك صلاحيات استثنائية تتجاوز دوره الاستشاري.

هذا التناقض الصارخ بين واقع الممارسة وبين التصريحات الرسمية يبدو أنه مقصود ومخطط له بعناية، ويرى المراقبون أن التقليل الرسمي من سلطة ماسك قد يكون له فوائد قانونية وسياسية على حد سواء، إذ إن تركيز السلطة بيد ماسك قد لا يتعارض فقط مع المبادئ الدستورية الأمريكية، بل قد يقوض أيضًا بعض الخطاب الذي دفع ترامب للفوز في الانتخابات، والذي اعتمد بشكل أساسي على وعود بإعادة السلطة للشعب الأمريكي ومحاربة النخب المتنفذة في واشنطن.

وترى "بوليتيكو" أن هذه الازدواجية في الخطاب تخلق حالة من الضبابية القانونية التي تمنح ترامب مساحة للمناورة، وتحمي الإدارة من المساءلة القانونية المباشرة، بينما تسمح لماسك بالاستمرار في تنفيذ برنامج إعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية الذي وعد به ترامب ناخبيه.

قلق متزايد

بدأت الإشكاليات السياسية لهذه المعضلة تظهر بوضوح في نتائج استطلاع حديث للرأي صدر أمس الأربعاء، بيّن أن 55% من الناخبين الأمريكيين يعتقدون أن ماسك جمع في يديه سلطة تفوق ما ينبغي أن يتمتع به مستشار رئاسي، ووفقًا لـ"بوليتيكو" يعكس هذا قلقًا متزايدًا بين شرائح واسعة من الناخبين من تنامي نفوذ شخص غير منتخب، مهما كانت كفاءته أو نجاحاته في القطاع الخاص.

وفي تعليق صريح على هذه الظاهرة، قال المدعي العام لولاية نيوجيرسي، مات بلاتكين، وهو ديمقراطي بارز: "أعتقد أن هذا الغموض مخطط له بشكل متعمد"، مشيرًا إلى الرسائل المختلطة والمتناقضة حول دور ماسك.

وأضاف "بلاتكين"، في تصريحات نقلتها صحيفة بوليتيكو: "لا يريدون الإفصاح عن دوره الحقيقي لأنهم يدركون تمامًا مدى الإشكالية الدستورية والسياسية لحقيقة أن ملياردير غير منتخب يدير حاليًا جوانب مهمة من الحكومة الفيدرالية دون أي مساءلة ديمقراطية أو إشراف تشريعي".

وأشار بلاتكين إلى أن هذا الوضع يمثل تحديًا مباشرًا لمبدأ الفصل بين السلطات ولآليات الرقابة والتوازن التي يقوم عليها النظام الديمقراطي الأمريكي.

من ناحية أخرى، يبدو أن هذا الغموض المحيط بدور ماسك يسمح لترامب بالعمل في منطقة مألوفة من عدم القدرة على التنبؤ، وهو أسلوب اشتهر به خلال فترة رئاسته الأولى، إذ إن عدم وضوح المسؤوليات والصلاحيات يجعل من الصعب على الخصوم السياسيين وحتى الحلفاء تحديد المسؤوليات ومساءلة المتسببين في القرارات المثيرة للجدل، بينما يستمر ترامب في ممارسة سلطة غير مسبوقة في إعادة هيكلة الإدارة الفيدرالية.

دور ماسك

وأشارت بوليتيكو إلى تناقض صارخ في الخطاب الرسمي للبيت الأبيض حول دور ماسك، ففي يوم الثلاثاء، كانت الرسالة الرسمية من البيت الأبيض تؤكد أن"DOGE" يقدم فقط توصيات يتم تسليمها إلى الرئيس ترامب شخصيًا، وأن تنفيذها يتم حصرًا من قبل أعضاء مجلس الوزراء المعينين بشكل قانوني.

وفي هذا السياق، صرح ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي ترامب للسياسة، في إحاطة صحفية: "الرئيس يفوز بالانتخابات ويعين موظفين، بمن فيهم أنا شخصيًا... وبمن فيهم إيلون ماسك أيضًا، وهؤلاء الموظفون جميعًا يقدمون تقاريرهم مباشرة إلى الرئيس"، ما يضع ماسك في مرتبة مماثلة لباقي المستشارين والموظفين في البيت الأبيض، دون أي امتيازات أو صلاحيات استثنائية.

لكن بحلول مساء اليوم نفسه، ظهر تناقض صارخ مع هذه الرواية الرسمية، إذ كان ماسك جالسًا بجانب ترامب في مقابلة مسجلة مسبقًا مع قناة "فوكس نيوز" في وقت الذروة.

خلال هذه المقابلة، تحدث ماسك بثقة كاملة عن العلاقة الخاصة التي تربطه بالرئيس الأمريكي، وعن جهوده -التي حظيت بموافقة ترامب الصريحة- لتنفيذ الأوامر التنفيذية الرئاسية وإعادة تشكيل البيروقراطية الفيدرالية بشكل جذري.

وفي تناقض واضح مع تصريحات ميلر، تحدث "ماسك" خلال المقابلة عن قرارات محددة اتخذها بشأن إلغاء برامج فيدرالية وإنهاء عقود حكومية، مستخدمًا لغة توحي بأنه يتمتع بسلطة تنفيذية مباشرة، وليس مجرد دور استشاري كما تدعي الرواية الرسمية للبيت الأبيض.

هذه التناقضات المستمرة تثير تساؤلات عميقة حول طبيعة الحكم في الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب الثانية، وحول مدى التزام الإدارة الجديدة بالهياكل الدستورية التقليدية للحكومة الفيدرالية.