لم يمض سوى أقل من شهر على تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته الثانية، التي بدأها بمجموعة من أفضل أرقام استطلاعات الرأي التي شهدها على الإطلاق خلال عمله في السياسة، حتى ظهر تناقض غريب يحيط بأرقام الاستطلاعات الخاصة بالرئيس العائد للبيت الأبيض، ففي الداخل الأمريكي ينظر المواطنون إلى ترامب بشكل "غير إيجابي"، لكنهم -مع هذا- يوافقون على العمل الذي يقوم به وكثير من قراراته.
وبحسب مؤسسة "538"، التي تجمع المتوسطات المرجحة لاستطلاعات الرأي، فإن ترامب يتمتع بتقييم سلبي صافٍ قدره +1.6، حيث إن هناك 48.1% غير مؤيدين له، مقابل 46.5% من أنصاره؛ بينما جاء تقييم تأييد رئاسته +3.3، حيث هناك 48.9% من الأمريكيين موافقون على عودته للمكتب البيضاوي، مقابل 45.6% من الرافضين.
وتشير مجلة "نيوزويك" إلى أن اتجاه شعبية ترامب أظهر تقاربًا حادًا منذ فوزه بالانتخابات "حيث ينظر إليه المزيد من الأمريكيين بشكل إيجابي، وعدد أقل دون ذلك. منذ بداية رئاسته، بدأت شعبيته السلبية ترتفع تدريجيًا".
ورغم أنه يتمتع بمعدلات موافقة إيجابية منذ تنصيبه، فإن الفجوة تقلصت من ذروتها البالغة +8.2 في الأيام الأولى من ولايته الجديدة.
نظرة سلبية
في استطلاع "نيوزويك" بين عدد من خبراء السياسة الأمريكية، بدا غريبًا أن يحظى رئيس ما بـ"نظرة سلبية" لشخصه، بينما يحظى في الوقت نفسه بـ"قبول إيجابي" لعمله.
وينقل التقرير عن كريس جاكسون، نائب رئيس مؤسسة IPSOS للشؤون العامة، قوله إنه ليس من غير المألوف أن يكون لدى الأمريكيين وجهات نظر مختلفة قليلًا حول المسؤولين العموميين كأشخاص، مقابل أدائهم في وظائفهم.
يضيف: "ما رأيناه في بعض الأبحاث النوعية أن هناك مجموعة صغيرة -لكن حقيقية- من الأمريكيين الذين لا يحبون الرئيس ترامب أو سلوكه شخصيًا، لكنهم يعتقدون أنه الشخص المناسب لهذه الوظيفة أو اللحظة. أعتقد أن هذا يعكس هذه الفجوة".
بينما لفت ميلفين ليفلر، أستاذ التاريخ في جامعة فرجينيا، إلى أن أهم شيء يجب أخذه في الاعتبار هو أن نسبة التأييد لبايدن كانت تحوم حول 50% في هذا الوقت من رئاسته. فيما أشار لي ميرينجوف، مدير معهد "ماريست" للرأي العام، إلى أن معدل الموافقة يوجه الانتباه إلى الأداء الوظيفي "حيث يعطي الجمهور للرئيس بداية إيجابية قليلًا"، لكن من غير الواضح ما إذا كان ترامب يسعى إلى تجاوز هذا الدعم في ظل تساؤل الناس عن مدى جدوى توجهاته السياسية.
وأكد كريستوفر بوريك، أستاذ العلوم السياسية ومدير معهد الرأي العام في كلية "مولينبيرج"، أنه على الرغم من أن معدلات التأييد والموافقة على مسؤول منتخب تميل إلى أن تكون متشابهة إلى حد كبير، فإن هناك اختلافات مهمة من حيث ما يتم قياسه والتي يمكن أن تفسر الانحرافات في النتائج.
يقول: "ترتبط التفضيلات بمشاعر الفرد تجاه المسؤول، وتقيس إلى حد كبير التقييمات الإيجابية أو السلبية للشخص. من ناحية أخرى، تقيس معدلات الموافقة على الوظيفة مدى الرضا عن العمل الذي يقوم به المسؤول في منصبه".
ولفت "بوريك" إلى أنه "في حين يصعب على كثيرين الفصل بين تقييمات مشاعرهم تجاه شخص ما وبين ما يعتقدونه بشأن عمله، فإن هذا يحدث بالفعل".
وبينما أكدت الاستطلاعات أنه قد لا يحب بعض الأمريكيين دونالد ترامب بسبب شخصيته وسلوكياته السابقة، لكنهم راضون بشكل عام عن الإجراءات التي يتخذها في منصبه، إلا أن مدير معهد "ماريست" يشير إلى أن هذه شريحة صغيرة نسبيًا من الأمريكيين "ولكن في بلد منقسم للغاية لعبت هذه الشريحة دورًا رئيسيًا في انتخابات العام الماضي، وفي ادعاء ترامب الحالي بأن عمله يحظى بدعم الجمهور".
مشاعر مختلطة
تنقل "نيوزويك" عن تشارلز فرانكلين، أستاذ القانون والسياسة العامة ومدير استطلاع كلية الحقوق بجامعة "ماركيت"، قوله إنه عادة ما تتقارب معدلات التأييد بشكل كبير "لكن في أواخر تسعينيات القرن العشرين، ظلت معدلات التأييد لبيل كلينتون في حدود الخمسينيات وأوائل الستينيات أثناء فضيحة مونيكا لوينسكي، في حين انخفضت معدلات التأييد له، من +15 إلى -10 في أواخر عام 1998 وعام 1999".
وأشار إلى أن الاستطلاع الوطني الذي أشرف عليه ونُشر في 12 فبراير الماضي، وجد أن 36% يقولون أشياء سلبية فقط عن ترامب في سؤال مفتوح "ما الذي يعجبك في ترامب؟"؛ أما بالنسبة لسؤال "ما الذي لا يعجبك في ترامب؟" أجاب 14% بإجابات إيجابية فقط، لكن 47% أجابوا بإجابات إيجابية وأخرى سلبية.
وبينما الشكوى الشائعة بين الذين يحبون ترامب بشكل عام هي أسلوبه في التواصل، باعتباره "يتحدث كثيرًا"؛ و"الطريقة التي يتحدث بها فظة للغاية"؛ و"لديه تغريدات تتسم بالوقاحة"، حسب وصفهم؛ لكن على الجانب الإيجابي، قال كثير من الناس أشياء مثل "إنه يفي بوعود حملته الانتخابية"، أو "لقد فعل بالفعل أكثر في بضعة أيام مما فعله بايدن".
كما يرى جيفري إنجيل، المدير بمركز التاريخ الرئاسي في جامعة "ساوثرن ميثوديست"، أن هذه الأرقام منطقية "فالأمريكيون يريدون أن يروا تحركًا، وخاصة من جانب الإدارة الجديدة. ولهذا السبب فإن حتى الإدارات التي لا تتسم بالجنون والانفعال -مثل هذه الإدارة- عادة ما تحظى بشهر عسل من التأييد".
وأكد أن أغلب الناخبين -بغض النظر عن توجهاتهم- غير راضين "لذا فإن حقيقة وجود عناوين رئيسية تشير إلى أن الرئيس الجديد "يفعل" شيئًا ما سوف تدفع العديد من الناخبين إلى الموافقة عليه تلقائيًا".