في 24 فبراير 2022، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى شعبه حول "العملية العسكرية الخاصة" التي قرر شنها في أوكرانيا، مشيرًا إلى أنه "مع توسع حلف شمال الأطلسي شرقًا، يصبح الوضع في بلادنا أسوأ وأكثر خطورة كل عام يمر".
وقتها، أوضح "بوتين" أن قيادة حلف شمال الأطلسي تحدثت علنًا عن الحاجة إلى تسريع وفرض تقدم البنية التحتية للحلف إلى حدود روسيا، مضيفًا: "بعبارة أخرى، فإنهم يضاعفون موقفهم.. لم يعد بإمكاننا الاكتفاء بمراقبة ما يحدث".
وبعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات من الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الجانبين، يبدو الآن أن هذا الهدف قد تحقق، إذ يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإجراء محادثات مع بوتين، كما رفض هو ووزير دفاعه بيت هيجسيث فرص أوكرانيا في العودة إلى حدود ما قبل الحرب، أو عضوية حلف شمال الأطلسي.
بعبارة أخرى، كما قال كارلو ماسالا، الأستاذ بجامعة ميونخ الألمانية، لصحيفة "بيلد": "سوف يفوز بوتين بهذه الحرب من وجهة النظر هذه".
توافق غريب
بينما كان زعماء أوروبا "المنعزلون" في حالة صدمة من الأداء الأمريكي، كما توضح صحيفة "نيوزويك"، تكرر هذا الشعور إلى حد كبير بين المحللين، الذين وصفوا الأمر بأنه "انتصار خطابي" لروسيا، وقالوا إنه يبدو أن الولايات المتحدة تستسلم لمطالب بوتين قبل أن تبدأ المفاوضات.
في هذه الأثناء، أكد مجلس الشيوخ الأمريكي تعيين تولسي جابارد مديرة للاستخبارات الوطنية، في أعقاب أسئلة من الجمهوريين والديمقراطيين بشأن تعليقاتها السابقة التي قالوا إنها متعاطفة مع روسيا، لكنها رفضت الادعاءات بأنها نشرت آراء مؤيدة لروسيا، قائلة: "أنا لا أهتم بالدعاية الروسية".
وكانت جابارد في عام 2022، غردت قائلة: "كان من الممكن تجنب هذه الحرب والمعاناة بسهولة لو أن إدارة بايدن وحلف شمال الأطلسي اعترفت ببساطة بالمخاوف الأمنية المشروعة لروسيا".
في الوقت نفسه، أشاد الكرملين بالمحادثات المرتقبة بين الرئيسين، ووصفها بأنها "تاريخية"، وأعربت شخصيات روسية بارزة عن سعادتها بها؛ كما ارتفعت سوق الأسهم الروسية.
وفي لحظة نادرة، تلاقت مصالح واشنطن وموسكو في مواجهة هيئات دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة اعتقال بحق بوتين، ولكنها تواجه الآن عقوبات أمريكية، إذ أصبحت في مرمى نيران ترامب بعد استهدافها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولفتت "نيوزويك" إلى أنه رغم أن روسيا لا تزال تعاني من مشكلات خطيرة -ولا سيما اقتصادها المتضرر من العقوبات- ولكن "إذا كان هدف الرئيس الروسي هو منع وجود دولة تابعة لحلف شمال الأطلسي على حدود روسيا، فإن هذا الهدف، على أقل تقدير، أصبح على وشك الاكتمال".
أهداف روسية
في مقال طويل كتبه الرئيس الروسي في عام 2021 بعنوان "حول الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين"، حدد بوتين ما رآه مطالبة روسيا بالقرم، وكذلك دونباس ولوجانسك، وكتب: "رفض ملايين الأوكرانيين المشروع المناهض لروسيا.. لقد اتخذ شعب القرم وسكان سيفاستوبول خيارهم التاريخي".
ويبدو أن هيجسيث، وزير الدفاع الأمريكي الجديد، يتفق مع هذا الرأي، إذ قال إن العودة إلى حدود أوكرانيا قبل عام 2014 -عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم- كانت غير واقعية.
وكان ترامب، الذي قال إن روسيا لم تكن لتشن غزوها الكامل لو كان رئيسًا، أجرى مكالمات هاتفية منفصلة مع بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس الخميس، معلنًا أن المفاوضات ستبدأ على الفور، وأن وقف إطلاق النار وشيك.
واعتُبر هذا، على نطاق واسع، مؤشرًا آخر على أن العودة إلى حدود أوكرانيا قبل عام 2014 أصبحت غير واردة.
أيضًا، قال هيجسيث إن أي اتفاق سلام لابد أن يشمل ضمانات أمنية لضمان عدم استئناف الحرب، لكن على أوروبا أن تبذل المزيد من الجهود، واستبعد انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وهو مطلب رئيسي لبوتين.
انتعاش
في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الروسي المتضرر من العقوبات رياحًا معاكسة، من المتوقع أن تشعر حكومة الرئيس الروسي بالتفاؤل إزاء ارتفاع سوق الأسهم الروسية، أمس الخميس.
وارتفعت بورصة موسكو (MOEX) ومؤشر RTS بأكثر من 6%، وارتفع الروبل -الذي هبطت قيمته في الأشهر الأخيرة بنسبة 3.72%- مقابل الدولار الأمريكي إلى 90.5.
وأشار بيكا كاليونييمي، مؤسس موقع Vatnik Soup -الذي يحلل مواد التضليل الروسية- على موقع "إكس"، إلى أن مكالمة ترامب مع بوتين "أعطت دفعة هائلة لسوق الأسهم في موسكو"، وأن الرئيس الأمريكي "ينقذ الكرملين الآن من شفا كارثة اقتصادية".
مع هذا، لا يزال بوتين يواجه اقتصادًا مضطربًا، مع معدل تضخم يبلغ 9.5%، وهو ما يحاول البنك المركزي الحد منه من خلال سعر فائدة قياسي يبلغ 21%.
وساهم الإنفاق العسكري ونقص العمالة في تعزيز هذا التوجه، وهو ما تفاقم بسبب الخسائر في أوكرانيا والأزمة الديموغرافية المتنامية في البلاد، وفي الوقت نفسه أدت العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن إلى تفاقم مشكلات الاقتصاد، مع استخدام "أسطول الظل" الروسي -الذي يخرق العقوبات لنقل النفط- مما فرض المزيد من المشكلات على صادرات موارد الطاقة المدرة للإيرادات.