الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

رسائل مؤتمر ميونخ للأمن 2025

  • مشاركة :
post-title
نائب الرئيس الأمريكي في مؤتمر ميونخ

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

يأتي انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن 2025، في دورته الـ61 في الفترة من 14-16 فبراير 2025، في ظل عالم متغير يرتبط بالعديد من التحولات الجوهرية، منها وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لولاية رئاسية ثانية، وما تثيره التوجهات التي يتنباها من جدل على مستوى أقاليم العالم المختلفة، وفي مقدمتها علاقته بالدول الأوروبية بعد تهديده بفرض تعريفات جمركية على الواردات الأمريكية من الدول الأوروبية، ومطالبته بزيادة الإنفاق العسكري الأوروبي فى إطار حلف شمال الأطلسي "ناتو"، بما جعل العلاقة بين طرفي الأطلسي بين شد وجذب، ووعوده بوقف الحرب الروسية الأوكرانية التي تدخل عامها الرابع في 24 فبراير 2025، وكذلك تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، والتحديات الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

أهمية انعقاد المؤتمر

يكتسب انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن فى دورته الـ61 منذ بدأه الكاتب الألماني كلايست عام 1963، عندما عقد اجتماعات مع مجموعة من المثقفين والمحللين السياسيين المؤثرين مثل هنري كيسنجر، للمناقشة وتبادل وجهات النظر، والتعرف على الآراء المختلفة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، لذلك تتنوع مهام المؤتمر على المستوى الدولي، والتي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) منصة للتواصل بين القادة الرسميين: يشكِّل المؤتمر منصة محورية للتواصل بين القادة الرسميين من صناع القرار، إذ يتوقع أن يحضر فعاليات المؤتمر خلال فترة انعقاده ما يقرب من 60 رئيس دولة وحكومة، وهو ما يسهم في إثراء النقاش الدولي، وطرح الرؤى المختلفة في ما يتعلق باستراتيجيات تحقيق الأمن الدولي، ومواجهة التحديات المشتركة.

وتزخر أجندة المؤتمر بالعديد من القضايا منها: الأمن البيئي والتغيرات المناخية، وتأثيرات الأزمات الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد العالمي على الأمن والاستقرار الدوليين، وكذلك قضايا الهجرة واللجوء التي أضحت على أجندة القضايا الدولية، والتحديات الأمنية العالمية، مثل الحوكمة العالمية والمرونة الديمقراطية، وحالة النظام الدولي والصراعات والأزمات الإقليمية، ومستقبل الشراكة عبر الأطلسي، ودور أوروبا في العالم.

(*) تبادل الأفكار بين صناع القرار والخبراء: يشكِّل المؤتمر منتدى يجمع صناع القرار من ناحية والخبراء الأمنيين والأكاديميين من ناحية أخرى، وهو الأمر الذي يسهم في الانفتاح على جميع الآراء، بما فيها تقييم السياسات الأمنية المتبعة على المستوى الدولي، وتحديد مردودها على الاستقرار الدولي، لذلك فإن مشاركة ممثلي الدول الكبرى في فعاليات المؤتمر تتيح لهم التعرف على رؤى أقاليم العالم الأخرى والأقل نموًا إزاء تلك السياسات، والتي يتم طرحها من قبل الخبراء والأكاديميين بما يسهم في الحد من التأثيرات السلبية، وتعزيز الإيجابيات، وبما ينعكس على ركائز الأمن العالمي.

قضايا المؤتمر

تتنوع قضايا مؤتمر ميونخ للأمن 2025، والتي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(-) خطة السلام في أوكرانيا: يمثل مستقبل أوكرانيا البند الرئيسي على جدول أعمال مؤتمر ميونخ للأمن، لاسيما أن الحرب تدخل عامها الرابع في 24 فبراير 2025، وتشكل تهديدًا للأمن الأوروبي فضلًا عن تداعياتها على الأمن العالمي، لذلك تتزايد التوقعات بإمكانية طرح خطة للسلام تفضي لوقف الحرب، وذلك في أعقاب المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والتي تعهدا فيها بالعمل معًا لإنهاء الصراع الروسي الأوكراني. 

وتبدو ملامح خطة ترامب في ما أعلنه خلال الفترة الماضية من أن انضمام كييف إلى حلف الناتو بات مستبعدًا، وهو مطلب تتمسك به روسيا من أجل تسوية الصراع، وأن عودة أوكرانيا إلى حدود ما قبل 2014 أضحى بعيدًا وغير واقعي، في إشارة إلى إمكانية تخليها عن شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها روسيا في 2014، وربما أيضًا عن مناطق في الشرق الأوكراني. 

وتثير ملامح تلك الخطة هواجس الدول الأوروبية، وتعتبرها تغيرًا في الموقف الأمريكي الذي ضمِن دعم أوكرانيا اقتصاديًا وعسكريًا خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وأكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في مستهل مشاركتها بفعاليات مؤتمر ميونخ للأمن في 14 فبراير 2025 أنه ينبغي ألا يكون تحقيق السلام في أوكرانيا على حساب الأوكرانيين والأوروبيين.

(-) الإنفاق العسكري الأوروبي: يشكِّل الأمن الأوروبي أحد القضايا المحورية على أجندة مؤتمر ميونخ للأمن، لاسيما وأن التصريحات التي أدلى بها ترامب تطالب دول حلف الناتو بزيادة الإنفاق العسكري ليصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة عضو، وهو الأمر الذى وجد صداه خلال لقاء نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس مع الأمين العام لحلف الناتو مارك روته، عندما أشار فانس إلى أن الناتو هو تحالف عسكري مهم للغاية، وأن الولايات المتحدة تشكل الجزء الأكثر أهمية فيه، ويريدون التأكد من أن الحلف مبني بالفعل للمستقبل، وأن ذلك يتلخص في ضمان قيام الناتو بتقاسم الأعباء بشكل أكبر في أوروبا، حتى تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من التركيز على بعض التحديات التي تواجهها في شرق آسيا، مؤكدًا مطلب الولايات المتحدة بأن يزيد حلف شمال الأطلسي من الإنفاق الدفاعي.

(-) الصراعات والأزمات الإقليمية: تشكل الصراعات والأزمات الإقليمية إحدى القضايا المطروحة على أجندة مؤتمر ميونخ للأمن، ويأتي في مقدمتها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما يثيره توجه ترامب بشأن قضية تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وهو المقترح الذي لاقى رفضًا دوليًا بل ومن تيارات بعينها في الداخل الأمريكي ذاته. 

وتأتي لقاءات وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج الدكتور بدر عبدالعاطي على هامش أعمال مؤتمر ميونخ للأمن، ومنها لقاؤه مع وزير خارجية النرويج "إسبين بارت إيد"، إذ استعرض جهود مصر وحرصها على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذه بالكامل بمراحله الثلاث، واعتزام مصر تقديم تصور شامل لإعادة إعمار غزة يضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، ومشددًا على أهمية البدء في عملية التعافي المبكر، وذلك وفقًا لبيان وزارة الخارجية المصرية في 14 فبراير 2025.

(-) الهجرة واللجوء: تعتبر التيارات اليمينية في الدول الغربية سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا أن المهاجرين واللاجئين يمثلون تهديدًا لاستقرار المجتمعات الغربية برغم مساهمتهم في تطوير تلك المجتمعات والاندماج داخلها، وهو الأمر الذي جعل تلك التيارات تطالب بترحيل المهاجرين واللاجئين غير الشرعيين، ما جعل نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس يركز خلال مشاركته في مستهل أعمال المؤتمر على ما اعتبره التهديد من الداخل في أوروبا، إذ أشار إلى أن الحكومات الأوروبية تمارس رقابة صارمة على حرية التعبير، وأنها لم تنجح في التعامل مع الهجرة غير المنظمة.

(-) مستقبل الشراكة عبر الأطلسي: يشكل اتجاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحو فرض تعريفات جمركية على الواردات الأمريكية من الدول الأوروبية، ومطالبته بتحمل الدول الأوروبية تكلفة حماية أمنها من خلال زيادة الإنفاق العسكري في إطار الناتو، فضلًا عن طرحه خطة سلام في أوكرانيا تثير هواجس الدول الأوروبية، وهي القضايا التي تعكس التباعد في الشراكة الأوروبية الأمريكية التي رسمت علاقات التحالف الاستراتيجي لعقود متتالية عبر ضفتي الأطلسي، وهو ما يضع الدول الأوروبية في مأزق تسعى لتجاوزه من خلال محاولات فرنسية لتعزيز الاستقلالية الأوروبية عن الحليف الأمريكي، إلا أن ذلك التوجه تكتنفه العديد من الصعوبات أهمها هشاشة الأمن الأوروبي، والتي كشفها الصراع الروسي الأوكراني فضلًا عن أزمات تأمين إمدادات الطاقة للدول الأوروبية، والتي تعتمد فيها على الخارج بشكل رئيسي.

مجمل القول: تعكس القضايا الرئيسية المطروحة على أجندة مؤتمر ميونخ للأمن 2025 انعكاسًا لما يعانيه العالم من مشكلات وأزمات وصراعات تحتاج لتضافر الجهود الدولية لمنع تفاقمها، وهو ما يتطلب تعزيز المقاربة التنموية العالمية، وإعلاء مبادئ التعاون بين الأمم على الصراعات التي تستنزف القدرات، وتثير الكراهية بين المجتمعات، وهو ما يضع التزامًا على القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية بتبني الاستراتيجيات التي تسهم في دعم الاستقرار العالمي بدلًا من السعي لتقويض ركائز ذلك الاستقرار.