الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حدود إرساء حوار المنامة لقواعد التنافس الاستراتيجي في الشرق الأوسط

  • مشاركة :
post-title
منتدى حوار المنامة 2022

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء انعقاد حوار المنامة بمملكة البحرين، خلال الفترة من 18- 20 نوفمبر 2022، تحت عنوان القواعد والمنافسة في الشرق الأوسط، لتتناول فعالياته أبرز الملفات السياسية والأمنية التي تشكل تحديات أكثر إلحاحًا لأمن منطقة الشرق الأوسط، في مجال السياسة الخارجية والدفاع، التي ترتبط بالتهديدات المباشرة وغير المباشرة للصراعات الإقليمية والدولية، وتداعياتها على استراتيجيات أمن المنطقة، حيث تنوعت القضايا التي طُرحت في جلسات المنتدى الست الرئيسية، وجاء جدول أعماله على مدار الثلاثة أيام ليحمل العناوين التالية: شراكات الولايات المتحدة الأمريكية الأمنية في الشرق الأوسط، تطورات في جيوسياسية الطاقة، مبادرات الشرق الأوسط لحل النزاع الإقليمي، أمن نقاط الاختناق البحرية العالمية، تحديث أساليب الدفاع والتكنولوجيا الجديدة، الشراكات الأمنية الجديدة في الشرق الأوسط.

بريت ماكجورك، منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي
أهمية متزايدة:

يكتسب انعقاد منتدى حوار المنامة في نسخته الـ18، أهمية للعديد من الاعتبارات. يعد أولها، على مستوى المنتدى ذاته فهناك تنوع لتمثيل الدول والمنظمات والمؤسسات المعنية بأمن منطقة الشرق الأوسط، حيث يعتبر المنتدى منصة فريدة لمشاركة الوزراء الحكوميين وصانعي السياسات، والخبراء وقادة الرأي العام، وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية، كما أن دورية انعقاده بشكل سنوي منذ عام 2004، تتيح الفرصة لاستكمال الحوارات الممتدة، وتبني السياسات المقترحة ومراجعة جدواها وتأثيراتها على مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة. ثانيها، على المستوى الدولي فإن انعقاد حوار المنامة يتزامن مع استمرار الصراع الروسي الأوكراني والإخفاق في تسويته ودخوله الشهر العاشر، في ظل رغبة روسيا في إرساء قواعد جديدة لنظام دولي بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية. وهو ما جعل دول منطقة الشرق الأوسط تعاني من تداعيات الصراع السلبية، لا سيما وأنه تسبب في أزمات مُعقدة لدول الإقليم، مثل ارتفاع أسعار الطاقة وتوقف سلاسل التوريد للسلع الغذائية الرئيسية، بعد قرار العديد من الدول المُصدرة للحبوب تحقيق الاكتفاء الذاتي ومنع تصدير منتجاتها التي تحتاجها أسواقها الداخلية. ووفقًا لبيانات "الفاو" فإن أوكرانيا وروسيا منتجان رئيسيان للقمح والشعير والذرة، حيث يمثلان متوسط من 27،23،15 في المئة من الصادرات العالمية بين عامي 2016 و2020 على التوالي. وثالثها، على المستوى الإقليمي جاء انعقاد الحوار في ظل تحولات إقليمية سيكون لها تداعياتها الممتدة على أمن منطقة الشرق الأوسط. ففي إسرائيل عاد حزب الليكود للحكم بزعامة نتنياهو بعد فوز ائتلافه بـ64 مقعدًا. وهو ما سيكون له تداعياته على القضية الفلسطينية في ظل رفضه لمبدأ حل الدولتين، وعلى تصوره لدور إسرائيل بمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام. وفى إيران هناك الاحتجاجات المناهضة للنظام، فضلًا عن تحديات مشروع إيران الرامي للتمدد في دول الإقليم وهو ما ترجمه علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني السابق، بقوله إن إيران إمبراطورية وعاصمتها بغداد، فضلًا عن سعيها الدؤوب لامتلاك السلاح النووي. وهو ما جعل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، الصادرة في أكتوبر 2022، تتبنى موقفًا حازمًا إزاء البرنامج النووي الإيراني.

حدود الاستجابة:

تناولت مناقشات حوار المنامة، العديد من القضايا التي تُشكل نوعًا من الاستجابة للتحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، التي سعى المشاركون في فعاليات الحوار إلى أن تُشكل قواعد حاكمة للتنافس الاستراتيجي بمنطقة الشرق الأوسط. وتتمثل أبرز تلك القواعد في التالي:

د. عبداللطيف الزياني، وزير خارجية مملكة البحرين

(*) المنافسة الجيوسياسية: وفقًا لمسح النزاعات المسلحة الذي أعده المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وتم عرضه على هامش فعاليات حوار المنامة، فإن المنافسة الجيوسياسية شكلت أحد المحددات الرئيسية لمعظم الصراعات المتفجرة حول العالم، بهدف محاولة خلق نظام متعدد الأطراف من القوة الوازنة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا على المستوى العالمي. ويُشكل الصراع الروسي الأوكراني أحد تجليات تلك المنافسة، التي ستنعكس بشكل مباشر على تفاعلات النزاعات المسلحة في مناطق العالم المختلفة. وهو الأمر الذي يجد سنده في ملامح التحولات الراهنة في تفاعلات النظام الدولي، التي تقوم على تراجع دور العولمة والاتجاه نحو المزيد من التعاون متعدد الأطراف.

(*) ردع التهديدات الوشيكة: تتنوع التهديدات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط ما بين تحديات داخلية ترتبط بأزمات اقتصادية ممتدة وصراعات سياسية تُعمق الانقسام داخل بعض الدول، منها معاناة لبنان من الفراغ الرئاسي، والانقسام الليبي بين الأطراف الرئيسية، وأزمة الحوثي في اليمن. أما التهديدات الخارجية فإنها تتمثل في توظيف تلك الصراعات لتشكيل أنماط لتحالفات وشراكات جديدة بما يجعل تسويتها أكثر صعوبة. وهو ما جعل هالة غريط، المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأمريكية، تشير إلى أن مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في حوار المنامة بوفد رفيع المستوى من مختلف الوزارات والوكالات الأمريكية، منهم كولين كال، وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية، وباربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، والجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، يأتي في إطار محورية الشراكة الأمريكية لمواجهة التهديدات المحتملة، حيث أعلنت "غريط" أن المشاركين في الحوار حملوا رسالة واضحة مفادها حتمية الشراكة الأمريكية مع دول الإقليم، التي لا ترتكز فقط على العلاقات الثنائية طويلة المدى، وإنما أيضًا على الصعيد متعدد الأطراف من خلال ما وصفته بمفهوم الردع المتكامل.

(*) حماية وتعزيز الأمن الإقليمي: يعد الاستثمار في حماية وتعزيز الأمن الإقليمي إحدى الركائز في استراتيجيات الأمن القومي للقوى المعنية باستقرار منطقة الشرق الأوسط، نظرًا لارتباطها المباشر باستقرار النظام الدولي. من هنا جاء تأكيد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، أن بلاده تُقدر عاليًا دور مؤتمر حوار المنامة باعتباره المنتدى الإقليمي الرئيسي لتبادل وجهات النظر والرؤى لحماية وتعزيز الأمن الإقليمي. كما اعتبر عبد اللطيف بن راشد الزياني، وزير الخارجية البحريني، أن الشرق الأوسط سيظل موضوع تركيز القوى الخارجية في المستقبل القريب، نظرًا لأهميته الجيوستراتيجية، ومنبهًا بأن الصراعات خارج المنطقة يمكن أن تخلق مزيدًا من عدم الاستقرار الإقليمي، وبيئة مواتية للإرهاب والتطرف، ما يولد تداعيات مرة أخرى على منطقتنا وخارجها.

وزير خارجية المملكة المتحدة جيمس كليفرلي

(*) محورية أمن الخليج العربي: تحتل منطقة الخليج العربي أهمية استراتيجية في الشرق الأوسط، فهي غنية بمصادر الطاقة، فدول الخليج العربي تمتلك احتياطيًا نفطيًا يبلغ إجماليه نحو 650 مليار برميل يمثل نسبة 38 في المئة من الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط الخام. لذلك جاء تأكيد أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، خلال كلمتها الافتتاحية، أن أمن الخليج العربي يهم الدول الأوربية، كما هو الحال بالنسبة لأمن أوروبا الذي يهم دول الخليج، معلنة أنه سيتم تعيين مبعوث أوروبي خاص إلى الخليج، وأن ثمة فرصة تاريخية لبناء روابط جديد بين الجانبين من أجل المصالح المشتركة.

(*) رفض التهديدات الإيرانية: عبّرت كلمة جيمس كليفرلي، وزير خارجية بريطانيا، خلال مشاركته في فعاليات حوار المنامة، عن رفض بريطانيا للتهديدات الإيرانية، وتأكيده أن بلاده جادة في العمل مع أصدقائها لمواجهة تهديد إيران، ووقف تهريب الأسلحة التقليدية، ومنع النظام الإيراني من امتلاك أسلحة نووية، ومذكرًا بأن نظام طهران لجأ إلى بيع الطائرات المُسيّرة لروسيا التي تقتل المدنيين في أوكرانيا. كما عبرت عن تلك المخاوف، أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بأن طهران تتعاون مع روسيا لتقويض النظام العالمي، موضحة أن دولًا خليجية حذرت منذ سنوات من خطر قيام إيران بتزويد الدول المارقة في جميع أنحاء العالم بطائرات مُسيّرة، ومشيرة إلى أنهم تأخروا في فهم تأكيدات دول الخليج بشأن التهديدات الإيرانية.

مجمل القول، إن منتدى حوار المنامة 2022، سعى إلى وضع قواعد لملامح التنافس الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، من خلال تحليل رؤى القوى الكبرى لقضايا التهديدات المحتملة، وكيفية مواجهة تلك التهديدات. غير أن التحدي الذي يواجه دول الإقليم بشكل عام، وفي القلب منه الدول العربية يرتبط بمدى قدرتها على صياغة رؤية موحدة لكيفية التعامل مع محركات الصراعات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية ويعزز من مكانتها في بنية نظام دولي جديد لا زال قيد التشكيل.