في الساعة 9:45 كل صباح (بالتوقيت الشرقي للولايات المتحدة)، يجتمع كبار المسؤولين الأمريكيين في مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل لمناقشة التهديدات الأكثر إلحاحًا التي تواجه البلاد، وتحديث معلومات بعضهم البعض بشأن أكبر التحقيقات التي تجريها وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية.
ويعود تاريخ هذا الاجتماع، الذي يُقام عادة في منشأة آمنة في الطابق السادس من مقر وزارة العدل، إلى عقود طويلة، واستمر عبر كافة الإدارات الرئاسية. ورغم استمراره منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكن العديد من المسؤولين المخضرمين "تم إبعادهم من وظائفهم" ولم يعودوا يحضرون الاجتماع.
وتعد هذه الغيابات مجرد مثال على كيف أدت التغييرات التي أجرتها إدارة ترامب في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي إلى "تآكل الاستمرارية في مسائل الأمن القومي التي كانت منذ فترة طويلة حجر الزاوية في التحولات الرئاسية"، كما نقل تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" عن عدة مسؤولين.
وألمحت الصحيفة إلى "الدور الدقيق" الذي لعبته المدعية العامة الجديدة في البلاد بام بوندي، في تغيير تشكيلة الاجتماع الصباحي "ولكن يبدو من الواضح أنها لا تريد أن يبقى أي من بقايا الإدارة السابقة في مقر وزارة العدل".
وبدت تلك الرغبة في أحد أيامها الأولى كمدعية عامة، عندما دخلت بوندي منشأة مؤمنة في قسم الأمن القومي، ورأت صور بايدن ونائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس وجارلاند. هناك، وأمام العديد من موظفي وزارة العدل، سحبت بوندي الصور من الحائط ووضعتها في إحدى الزاويا.
إقصاء الخبرات
تشير "واشنطن بوست" إلى أن إدارة ترامب أبعدت كبار رجال الأمن القومي من وزارة العدل، الذين نُقِلوا من المناصب التي شغلوها لسنوات إلى أدوار غير محددة تتعلق بإنفاذ قوانين الهجرة و"المدن الآمنة".
كما طُرد رؤساء قسم الجرائم الجنائية وقسم مكافحة الإرهاب الدولي في مكتب التحقيقات الفيدرالي.
أيضًا، نُقِل مسؤول كبير قديم في قسم الجرائم الجنائية في وزارة العدل كان يركز على الشؤون الدولية إلى "المدن الآمنة"، لكنه اختار التقاعد بدلاً من ذلك.
يقول التقرير: "لقد تم إبعاد جميع المسؤولين المحترفين الذين حضروا الجلسة اليومية لسنوات -بما في ذلك خلال إدارة ترامب الأولى- من مناصبهم، مما أدى إلى إقصاء الكثير من الخبرة التي كانت موجودة عادة لإحاطة المدعي العام ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي وكبار النواب.
وبينما لم يقم الرؤساء الأمريكيون السابقون بإجراء مثل هذه التغييرات الجذرية في "الموظفين المحترفين" الذين يقودون المنظومة الأمنية والاستخباراتية في البلاد، ينقل التقرير عن ديفيد آرون، المدعي العام السابق للأمن القومي الذي توقف عن المشاركة في الاجتماع الصباحي: "إن جزءًا من السبب وراء الإبقاء على هؤلاء هناك هو توفير الاستمرارية والسياق الذي لا تتمتع به القيادة السياسية".
يضيف: "عندما يطرأ موقف ما، فإنهم لديهم وجهة نظر مفادها: ماذا فعلنا في الماضي؟ وهل نجح الأمر أم لم ينجح؟"
في المقابل، ينقل التقرير عن مسؤولين في إدارة ترامب أنهم واثقون من أن لديهم عددًا كافيًا من موظفي الأمن القومي المؤهلين في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي للحفاظ على أمن البلاد؛ لافتين إلى أن إقالة كبار القادة لن تعيق إنفاذ القانون.
زيادة المخاطر
رغم أن الاجتماع الصباحي ليس الوسيلة الوحيدة التي يتم بها إطلاع النائب العام وكبار نوابه على التهديدات، لكنه يشكل فرصة رئيسية لكبار المسؤولين في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي -وغيرهما من مسؤولي الاستخبارات- للتواصل بسهولة بشأن المخاطر التي تواجه الولايات المتحدة، وتحديد أفضل السبل للاستفادة من الموارد والأفراد لمكافحتها.
لكن، بحسب أشخاص مطلعين على الاجتماعات، توقف اثنان من كبار مسؤولي الأمن القومي في وزارة العدل، وهما إيون يونج تشوي، الذي ركز على الجرائم الإلكترونية، وجورج توسكاس، وهو مسؤول كبير لمدة تقرب من عقدين من الزمان؛ عن الحضور عندما تم نقلهما إلى قسم "المدن الآمنة" في الأيام الأولى لإدارة ترامب.
كما اختار بروس شوارتز، نائب الشؤون الدولية في القسم الجنائي بوزارة العدل، التقاعد بدلاً من قبول خطوة مماثلة.
أما مايكل نوردوال، الذي ترأس قسم التحقيقات الجنائية والسيبرانية في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وروبرت ويلز، الذي كانت حقيبته تشمل جميع ملفات الأمن القومي للمكتب، فقد كانا يحضران الاجتماع يوميًا خلال الأسابيع الأولى من إدارة ترامب -كما كانا يفعلان في عهد بايدن- لكن تم إقصاؤهما.
كما تمت إقالة بوف بريت رينولدز، المدعي العام للأمن القومي الذي عمل في فريق المحققين الخاص الذي حقق في قضية ترامب.
لذا، فقدت القيادة الجديدة بسرعة ثقة العديد من موظفي الأمن القومي المحترفين، وفقًا لمطلعين على قسم الأمن القومي في وزارة العدل.
وفي ظل هذه البيئة، قال خبراء الأمن القومي إن خسارة خبراء المهنة المخضرمين قد يكون لها عواقب وخيمة إذا لم يتم استبدالهم بسرعة بآخرين مؤهلين وعلى دراية بكيفية عمل وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
وينقل التقرير عن أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي "عندما تسحب مثل هذه القاعدة المعرفية من وكالة ما، فإنك تخلق فراغًا. في كل مرة تفوت فيها فرصة لإحضار أشخاص يفهمون نطاق وعمق القضايا، فإنك تخاطر بفقدان أشياء".
في المقابل، كان المعينون من قبل ترامب في وزارة العدل يترأسون الاجتماع الصباحي في الأسابيع الأخيرة، ويستعرضون التهديدات القائمة. لكنهم -حسب بعض الحضور- يبدو أنهم أكثر اهتمامًا وحماسًا بتطبيق قوانين الهجرة من مواضيع الأمن القومي الأخرى؛ وهي أولوية قصوى لكل من ترامب والمدعية العامة بام بوندي.
كما تم نقل بعض المسؤولين من مجالات خبرتهم إلى "الركود" -حسب تعبير الصحيفة- حيث تم تكليفهم بمهام جديدة ولكن ليس لديهم عمل فعلي للقيام به حتى الآن.