حذرت مجلة "فورين بوليسي" من تعرض الولايات المتحدة مما يمكن وصفه بـ"أخطر اختراق أمني" في تاريخ البلاد، بعدما تمكن أفراد تابعون لإدارة الرئيس دونالد ترامب من الوصول إلى أنظمة حكومية حساسة وبيانات سرية في عدة وكالات فيدرالية.
ووفقًا للمجلة الأمريكية، فإن الاختراق لم يأتِ عبر هجوم إلكتروني معقد أو عمل تجسس أجنبي، بل من خلال أوامر رسمية صادرة عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية، ما يشكل سابقة خطيرة تهدد الأمن القومي الأمريكي وتفتح الباب أمام استغلال محتمل من قبل القوى المعادية.
الاختراق الممنهج
بدأت القصة عندما تمكن أفراد تابعون لإدارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، وهي هيئة حديثة الإنشاء تهدف إلى تحسين كفاءة العمل الحكومي وترشيد الإنفاق، وتقع تحت إدارة رجل الأعمال والملياردير الأمريكي إيلون ماسك، من الوصول إلى نظام الكمبيوتر في وزارة الخزانة الأمريكية، ما منحهم قدرة غير مسبوقة على جمع البيانات والتحكم المحتمل في مدفوعات فيدرالية تتجاوز 5.45 تريليون دولار سنويًا.
وأشارت المجلة إلى أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد ليشمل الوصول غير المصرح به إلى بيانات سرية من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، ونسخ الموظفون غير المصرح لهم البيانات السرية إلى أنظمتهم الخاصة.
أعمق من مجرد اختراق
وفقًا لـ"فورين بوليسي"، فإن خطورة الوضع تكمن في أن الأنظمة التي تم اختراقها ليست مجرد أجزاء عادية من البنية التحتية للدولة، بل هي العمود الفقري للحكومة الأمريكية، فأنظمة وزارة الخزانة تحتوي على المخططات التقنية لكيفية تحريك الحكومة الفيدرالية للأموال، في حين تحتوي شبكة مكتب إدارة شؤون الموظفين على معلومات بشأنهم والمنظمات التي تتعاقد معها الحكومة، وما يجعل هذا الوضع غير مسبوق ليس فقط نطاق الاختراق، ولكن أيضًا طريقة التنفيذ.
تفكيك المنظومة الأمنية
وسلطت المجلة الضوء على جانب أكثر خطورة يتمثل في التفكيك المنهجي لإجراءات الأمان الأساسية، إذ تم تجاوز مبدأ "فصل المهام" الذي يعد حجر الأساس في أمن المعلومات الحكومية.
هذا المبدأ، الذي يشبه بروتوكولات إطلاق الصواريخ النووية، يتطلب وجود أكثر من شخص مصرح له للقيام بأي تغييرات جوهرية في الأنظمة الحساسة، لكن ما حدث هو إزاحة المسؤولين المهنيين المكلفين بهذه الإجراءات الأمنية واستبدالهم بمشغلين عديمي الخبرة، ما يعرض الأنظمة لمخاطر غير مسبوقة.
مخاطر دولية
ورأت "فورين بوليسي" أن هذا الاختراق يفتح الباب على مصراعيه أمام القوى المعادية، مثل روسيا والصين، فبدلًا من الحاجة إلى اختراق جدران رقمية محصنة بشدة، يمكن لهذه الأطراف ببساطة المرور عبر أبواب مفتوحة، ثم محو أدلة تحركاتهم.
وتمتد المخاطر إلى ثلاثة مجالات حيوية، وهي التلاعب بالأنظمة، وتعريض البيانات للخطر، والتحكم في النظام، إذ إن المشغلين الخارجيين يمكنهم الآن تعديل العمليات مع تغيير مسارات التدقيق التي من شأنها تتبع تغييراتهم.
تحديات التعافي
وفقًا لفورين بوليسي، فإن كل يوم يمر مع استمرار الوصول غير المقيد يجعل عملية التعافي النهائي أكثر صعوبة، ويزيد من مخاطر إلحاق أضرار لا رجعة فيها بهذه الأنظمة الحيوية.
وأشارت المجلة إلى أن معالجة هذه الثغرات الأمنية تتطلب إجراءات فورية تشمل إلغاء الوصول غير المصرح به، واستعادة بروتوكولات المصادقة المناسبة، وإعادة تفعيل المراقبة الشاملة للنظام، كما أكدت أن تنظيف نظام مخترق أمر بالغ الصعوبة، وقد يتطلب إعادة تعيين كاملة للنظام.
واختتم التقرير بتحذير صارم من أن هذه القضية تتجاوز حدود السياسة الداخلية لتصبح تهديدًا وجوديًا للأمن القومي الأمريكي، فمع كل يوم يمر، تزداد احتمالية استغلال المنظمات الاستخباراتية الأجنبية لهذه الثغرات لسرقة البيانات الأمريكية وتثبيت أبواب خلفية تسمح بالوصول المستقبلي، ما يجعل مسألة استعادة أمن وسلامة هذه الأنظمة الحيوية تحديًا يزداد تعقيدًا مع مرور الوقت.