الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ماكرون وماسك.. "صداقة مميزة" إلى حافة القطيعة

  • مشاركة :
post-title
الملياردير الأمريكي إيلون ماسك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في تطور يعكس تحولًا كبيرًا في العلاقات بين القيادة الفرنسية وعمالقة التكنولوجيا العالمية، كشفت صحيفة "بوليتيكو" عن انهيار العلاقة الاستثنائية التي حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نسجها مع الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، في حين يأتي هذا التطور في وقت حساس تسعى فيه فرنسا لتعزيز مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي والابتكار التكنولوجي.

من الصداقة إلى التوتر

بدأت القصة بطموحات كبيرة وآمال أكبر، إذ سعى ماكرون جاهدًا لبناء علاقة خاصة مع ماسك، مالك شركات تسلا وسبيس إكس ومنصة إكس (تويتر سابقًا).

وكشفت بوليتيكو أن الرئيس الفرنسي رأى في ماسك نموذجًا للمبتكر الجريء الذي غيّر صناعة السيارات الكهربائية.

وأشار مسؤول سياسي فرنسي، تحدث للصحيفة، شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى أن ماكرون كان ينظر إلى ماسك باعتباره "رجل أعمال مبتكرًا للغاية، خاطر بالكثير لتطوير السيارات الكهربائية، وكان لفترة طويلة يُعرف بميوله الديمقراطية".

ورغم ذلك، هذه العلاقة الواعدة بدأت تشهد توترًا مُتصاعدًا، بلغ ذروته في حادثة لافتة شهدتها كاتدرائية نوتردام في ديسمبر 2024، فخلال حفل إعادة افتتاح الكاتدرائية التاريخية، الذي حضره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبار الشخصيات الفرنسية، وصل ماسك متأخرًا واتجه مباشرة إلى الصف الأول، متجاهلًا البروتوكول الرسمي.

وتشير الصحيفة إلى أن هذا التصرف، الذي رأته نائبة فرنسية حاضرة، أنه أظهر "شكلًا من المنافسة في الهيئة الرئاسية"، اضطر المنظمين لنقل ماسك إلى الصف التاسع، خلف المسؤولين الفرنسيين.

صراع المصالح والنفوذ

تعمقت الفجوة بين الجانبين مع تزايد تدخلات ماسك في السياسة الأوروبية، ففي مطلع عام 2025، شن ماسك هجومًا عنيفًا على رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، وأعلن دعمه الرسمي لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، بل ونظم حوارًا عبر منصة إكس مع زعيمته أليس فايدل.

هذه التحركات، حسب الصحيفة، دفعت ماكرون إلى توجيه انتقادات غير مباشرة لماسك في خطابه للسفراء في 6 يناير، متهمًا إياه بتغذية "التيار الرجعي الدولي".

وكشفت مصادر مقربة من الرئاسة الفرنسية، لبوليتيكو، أن هذا الموقف كان يهدف أيضًا إلى تعويض صمت المفوضية الأوروبية ورئيستها، أورسولا فون دير لاين، إزاء هذه التدخلات، مما دفع وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو للمطالبة بموقف أوروبي أكثر حزمًا.

إيلون ماسك وإيمانويل ماكرون
آمال استثمارية تتبخر

لم تقتصر خيبة الأمل الفرنسية على الجانب السياسي فحسب، بل امتدت إلى المجال الاقتصادي، وعلى الرغم من الوعود الكبيرة التي قطعها ماسك خلال قمة "اختر فرنسا" في مايو 2023، حيث تعهد بـ"استثمارات كبيرة" في فرنسا، فإن هذه الوعود لم تتحقق، إذ فضلت تسلا توسيع مصنعها في ألمانيا، كما دخلت في مفاوضات مع حكومة جورجيا ميلوني في إيطاليا، تاركة الآمال الفرنسية مُعلقة.

وفي محاولة أخيرة لإنقاذ العلاقة، استضاف قصر الإليزيه ماسك في مارس 2024 لحضور حفل منح الملياردير الفرنسي برنار أرنو وسام جوقة الشرف برتبة الصليب الأكبر.

وحسب مصادر الإليزيه، جرت "مناقشة مفتوحة للغاية حول منصة إكس، وتنظيم الرقمنة، وتعزيز السيادة الفرنسية" في محاولة لجذب استثمارات جديدة.

استراتيجية احتواء الأضرار

أوضحت بوليتيكو أن فرنسا تبنت استراتيجية حذرة في التعامل مع ماسك، الذي يشغل حاليًا منصب رئيس لجنة "الكفاءة الحكومية" في إدارة الرئيس ترامب.

ونقلت الصحيفة عن أحد منظمي قمة الذكاء الاصطناعي الفرنسية، قوله إن هذه الاستراتيجية تشبه نهج ماكرون مع فلاديمير بوتين، والتي ترفع شعار "طالما يمكننا الحوار، نفعل ذلك على أمل تجنب الأسوأ".

النقطة الإيجابية الوحيدة وسط هذه التوترات، تكمن في عدم تدخل ماسك حتى الآن في السياسة الفرنسية الداخلية، رغم محاولات حزب "ريكونكيت" بقيادة إريك زيمور التقرب منه.

كما يحافظ حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان، على مسافة حذرة من الملياردير الأمريكي، في موقف يعكس تعقيدات المشهد السياسي الفرنسي.

وأخيرًا، جاء إعلان ماسك عدم مشاركته في قمة باريس للذكاء الاصطناعي ليؤكد عمق الأزمة في العلاقات بين الجانبين، تاركًا مستقبل التعاون الفرنسي-الأمريكي في مجال التكنولوجيا مُحاطًا بالغموض والتساؤلات.