دحض الخبراء ادعاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتهجير سكان غزة لإعادة إعمار القطاع، وقالوا إنه يمكن تنفيذ عملية البناء دون الحاجة إلى إخراج الفلسطينيين من أرضهم، وفق ما نقلت عنهم صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وزعم ترامب أن قطاع غزة الذي تضرر بشدة في الحرب الإسرائيلية القاسية، لم يعد صالحًا للحياة البشرية، وقال: "لا أحد يستطيع العيش هناك". ووصف السكرتير الصحفي الخاص به غزة بأنها "مكان غير صالح للسكن بالنسبة للبشر".
وقوبل مقترح ترامب، بالسيطرة الأمريكية على غزة، بعد إعادة توطين سكان القطاع في دول أخري، برفض عربي ودولي واسع النطاق. ورفض حلفاء واشنطن الغربيون فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، كما أكد زعماء الشرق الأوسط، موقفهم الداعم لإقامة دولة فلسطينية. وحذرت الأمم المتحدة من أن أي تهجير قسري لسكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة سيكون "بمثابة تطهير عرقي".
وذكرت "واشنطن بوست" إن حجم الدمار هائل في غزة، وجهود إعادة الإعمار ربما تكون معقدة بسبب أعداد النازحين الذين ما زالوا يعيشون بين الأنقاض، لكن القانون الدولي يحظر عموما نقل السكان المدنيين، بغض النظر عن الدافع، كما يخشى الفلسطينيون أيضًا ألا يُسمح لهم بالعودة.
ونقلت الصحيفة عن مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في السكن اللائق، بالاكريشنان راجاجوبال: "إذا طبقنا منطق ترامب تاريخيًا، فلن يتم إعادة بناء لندن، ولن يتم إعادة بناء دريسدن، ولن يتم إعادة بناء طوكيو".
وفي حديثه يوم الثلاثاء، أشار ترامب إلى القنابل غير المنفجرة المنتشرة في أنحاء غزة باعتبارها العامل الرئيسي في قراره المفاجئ بتولي السيطرة على القطاع. وقال: "سنتحمل المسؤولية عن تفكيك كل القنابل الخطيرة غير المنفجرة والأسلحة الأخرى الموجودة في الموقع، وتسوية الموقع بالأرض والتخلص من المباني المدمرة".
وقد زودت الولايات المتحدة إسرائيل ببعض من أكثر الذخائر تدميرًا، والتي استخدمت في القطاع، بما في ذلك مئات من قنابل MK84 التي يبلغ وزنها 2000 رطل. في البداية، قال ترامب إنه لن يستبعد نشر قوات أمريكية، وهو الأمر الذي اضطر سكرتيره الصحفي إلى التراجع عنه. وكتب ترامب على موقع "تروث سوشيال" أمس الخميس: "لن تكون هناك حاجة إلى جنود أمريكيين!".
وحسب واشنطن بوست، تعمل شركات عسكرية أمريكية خاصة الآن في غزة، حيث تقوم بتفتيش المركبات عند نقاط التفتيش على طول ممر نتساريم الذي يقسم القطاع شمالا وجنوبا، ولكنها لا تشارك في إزالة المتفجرات.
واكتشفت فرق التخلص من الذخائر التابعة للأمم المتحدة مئات الذخائر غير المنفجرة منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023. وتشمل هذه العناصر القاتلة المحتملة القنابل اليدوية وقذائف المدفعية والقنابل الجوية الكبيرة، ويعد تحديدها والتخلص منها خطوة أولى ضرورية قبل إزالة الأنقاض والبدء في إعادة البناء.
وقارن الخبراء بين عواقب القصف الإسرائيلي على غزة، وبين ما حدث في أوروبا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. في أوروبا استغرقت عملية إزالة الأسلحة الخطيرة والتخلص منها سنوات، بل وعقودا من العمل المكثف.
وقال سيمون إلمونت، خبير المتفجرات في منظمة "هيومانيتي آند إنكلوجن" غير الربحية: "لقد تخليت عن محاولة حساب كمية الذخائر التي تبقى في غزة، والوقت الذي سيستغرقه تطهيرها، ومقدار الأموال التي ستتطلبها".
وقاد إلمونت بعض أعمال المنظمة في غزة العام الماضي، وساعد سابقًا في تطهير المدن التي تعرضت لقصف كثيف مثل الموصل في العراق.
وقال إلمونت إن عدد القطع العسكرية التي سيتم تطهيرها من الألغام سيصل إلى "عشرات الآلاف". وأضاف: "تقديري أن الأمر سيستغرق من 25 إلى 30 عامًا لإتمام عملية التطهير".
وقال لوك ايرفينج، خبير الأمم المتحدة في مجال إزالة القنابل ومقره غزة، للصحفيين أمس الخميس، إن المسؤولين لديهم روايات عن 24 ضحية بسبب الذخائر غير المنفجرة منذ بدء وقف إطلاق النار في 19 يناير.
ولا يعمل في غزة سوى عدد قليل من الخبراء الدوليين في مجال التخلص من الذخائر، ولكنهم يقولون إن الكثير من عملهم يعوقه نقص المعدات والموظفين، وهو ما يرجع إلى القيود الإسرائيلية المفروضة على ما يمكنهم إحضاره إلى القطاع، فهم ممنوعون من استخدام المتفجرات لتدمير الذخائر؛ وهذا هو الإجراء المعتاد في أغلب مناطق الصراع.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة التي تم التوصل إليها من خلال صور الأقمار الصناعية، إلى أن أكثر من 60% من المباني في غزة قد دمرت أو تضررت منذ بدء الحرب. كما تحولت البنية الأساسية الحيوية، بما في ذلك العيادات والجامعات ومحطات معالجة المياه، إلى أنقاض.
وتقدر منظمة أوكسفام غير الربحية أن 1.6 مليون شخص يعيشون في ملاجئ مؤقتة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن إعادة بناء غزة إلى حالتها قبل الحرب قد تتكلف 80 مليار دولار، ومن غير الواضح ما هي البلدان التي ستتحمل هذه الفاتورة.
وعلى الرغم من تصريحات ترامب، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، يوم الأربعاء، إن الإدارة لا تنوي دفع تكاليف إعادة الإعمار في غزة. وقد أعربت الدول العربية الغنية عن انفتاحها على تمويل جهود إعادة الإعمار، لكنها تريد ضمانات بأن هيئة حاكمة فلسطينية ستقود القطاع، وفق واشنطن بوست.
وتقول نيتا كروفورد، المديرة المشاركة لمشروع تكاليف الحرب في جامعة براون، والذي يتتبع خسائر الصراعات: "إن الضرر المستمر الذي يلحق بالبنية الأساسية والرعاية الصحية من شأنه أن يؤدي إلى زيادة معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات لسنوات قادمة. وهذا هو الضرر غير المباشر الذي تسببه الحرب والذي قد يقتل عددا أكبر من الناس مقارنة بالذين يموتون بسبب القنابل والرصاص والنيران".
وتضيف كروفورد "هناك تقليد طويل الأمد يتلخص في أن من يدمر مكانًا هو من يدفع تكاليف إعادة إعماره"، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة دفعت عشرات المليارات من الدولارات لتكاليف إعادة الإعمار في العراق وأفغانستان.
وقال راجاجوبال، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في السكن اللائق، إن الوضع في غزة يشبه إلى حد ما الوضع في طوكيو عام 1945، حيث تشرد أكثر من مليون شخص بعد هجمات الحلفاء بالقنابل الحارقة في نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن إعادة البناء هناك اكتملت في أقل من عقد من الزمان ولم تشمل النزوح الجماعي لسكان المدينة.
وأضاف راجاجوبال أن هناك عاملين رئيسيين، الأول هو أن الحرب انتهت بشكل واضح إلى الأبد. والثاني هو أن "الاحتلال الأمريكي لطوكيو كان يتبنى في واقع الأمر سياسة مساعدة السكان المحليين على العودة وإعادة البناء".