كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن حالة من القلق تسود الأوساط القانونية والأمنية في واشنطن، مع تسارع خطوات الملياردير إيلون ماسك للسيطرة على وكالات فيدرالية حيوية وتفكيك بعضها بشكل مفاجئ، وذلك بدعم مباشر من الرئيس دونالد ترامب الذي عاد إلى البيت الأبيض مطلع العام الجاري، وقد أثارت هذه التحركات غير المسبوقة موجة من الانتقادات والتحذيرات من خبراء القانون والأمن، الذين يرون فيها تهديدًا خطيرًا لأمن وخصوصية البيانات الفيدرالية الحساسة.
تحركات متسارعة تنتهك القوانين الفيدرالية
كشف الصحيفة عن سلسلة من الانتهاكات القانونية الخطيرة التي ارتكبها مكتب "دوج"، والذي يعد مكتبًا جديدًا تم إنشاؤه بتوجيه من إدارة ترامب تحت إشراف ماسك، للإشراف على إعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية، وتخفيف النفقات الفيدرالية، إذ أكد خبراء قانونيون أن التحركات الأولى للمكتب تمثل خرقًا صريحًا لقانون الخصوصية وقوانين الأمن السيبراني الفيدرالية.
وقد دفعت هذه الانتهاكات اتحادين رئيسيين من اتحادات الموظفين الفيدراليين، وهما الاتحاد الأمريكي لموظفي الحكومة واتحاد موظفي الخدمات، إلى رفع دعوى قضائية في المحكمة الفيدرالية في واشنطن.
وفي تصريحات للصحيفة وصف ألان بتلر من مركز معلومات الخصوصية الإلكترونية الوضع بأنه "كارثة مطلقة"، مشيرًا إلى أن حجم المخاطر على المعلومات الشخصية والمالية الحساسة غير مسبوق في تاريخ الإدارة الأمريكية.
وتزداد المخاوف حدة مع محاولات ماسك السيطرة على قاعدة بيانات المدفوعات المركزية في وزارة الخزانة، في خطوة وصفتها ماري إلين كالاهان، المسؤولة السابقة عن الخصوصية في وزارة الأمن الداخلي، بأنها "خرق للبيانات بأبعاد هائلة"، محذرة من أن فقدان السيطرة على هذه البيانات سيكون له تداعيات دائمة على الأمن القومي الأمريكي.
أزمة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتداعياتها
من جهة أخرى تشير الصحيفة إلى أن قرار إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) يمثل نقطة تحول خطيرة في الأزمة الحالية، إذ أثار إعلان ماسك عن نيته إغلاق الوكالة، التي تأسست بموجب أمر تنفيذي من الرئيس جون كينيدي في عام 1961 وتم تأسيسها رسميًا كوكالة حكومية فيدرالية من قبل الكونجرس في عام 1998، موجة من الشكوك حول صلاحيات ترامب في إلغائها أو دمجها مع وزارة الخارجية كما اقترح وزير الخارجية ماركو روبيو.
وقد وصف أليكس جويل، أستاذ القانون المساعد في الجامعة الأمريكية، هذه الخطوة بأنها "العمل الأكثر وضوحًا في مخالفته للدستور"، مؤكدًا أن الرئيس لا يملك صلاحية تدمير وكالة فيدرالية بالكامل.
وقد أصر المشرعون الديمقراطيون في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ على أن أي محاولة لدمج الوكالة مع وزارة الخارجية يجب أن تخضع لموافقة الكونجرس، وهو ما بدا أن روبيو يتفهمه في رده على المشرعين، إذ أشار إلى نيته في إجراء مشاورات حول أي إعادة تنظيم محتملة.
معركة قانونية ودستورية
تزداد التعقيدات القانونية مع عدم وضوح الوضع القانوني لأعضاء فريق "دوج" وما إذا كانوا موظفين حكوميين أو متعاقدين أو مجرد أطراف خارجية منحت صلاحيات خاصة.
وفي تطور لافت، كان الرئيس ترامب غامضًا في تصريحاته للصحفيين في البيت الأبيض حول صلاحيات ماسك ذات نفسه، مشيرًا إلى أن سلطاته تقتصر على اقتراح إقالة الموظفين غير الأكفاء، شريطة موافقة الإدارة.
ويرى خبراء قانونيون أن المعلومات غير المصنفة في الأنظمة الحساسة تخضع لمجموعة معقدة من القوانين واللوائح التي لا يملك الرئيس سلطة واضحة لتجاوزها.
مستقبل غامض وتداعيات متوقعة
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، يتوقع الخبراء القانونيون أن تؤدي هذه الأزمة إلى معارك قضائية طويلة.
وسيعتمد الحسم النهائي لقانونية تحركات ترامب لإغلاق أو إعادة تنظيم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على موقف المحكمة العليا، خاصة مع احتمال نظرها في المعارك المرتقبة حول سلطة الرئيس في عدم إنفاق الأموال التي خصصها الكونجرس ومدى صلاحياته في إقالة موظفي السلطة التنفيذية.
وكما أشار بول لاركين من مؤسسة هيريتاج، فإن بعض جوانب القانون واضحة لكنها قديمة، والسؤال هو ما إذا كانت المحكمة العليا على استعداد لإعادة النظر فيها.