شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل اجتماعًا طارئًا لقادة الاتحاد الأوروبي لمناقشة التحديات الجديدة التي يلوح بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على القارة العجوز، إذ تصدرت قضيتا التعريفات الجمركية ومطالبه بشأن جرين لاند أجندة الاجتماع، في حين يأتي هذا الاجتماع في ظل مخاوف متزايدة من تداعيات السياسات الأمريكية الجديدة على العلاقات عبر الأطلسي، خاصة بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
العلاقات الأوروبية الأمريكية
كشفت صحيفة بوليتيكو عن تفاصيل الاجتماع الذي تحول من مناقشة تعزيز الدفاعات في مواجهة روسيا إلى محاولة احتواء التحديات الأمريكية المتصاعدة.
وتجلى موقف الاتحاد الأوروبي بوضوح في تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي حذرت من رد أوروبي حازم على أي إجراءات تعسفية أمريكية، مؤكدة أن الشراكة مع الولايات المتحدة تظل "العلاقة الأكثر أهمية" للاتحاد، لكنها قدمت في الوقت نفسه إشارة إيجابية باستعداد التكتل لمراجعة قواعده المالية للسماح بزيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي، استجابة للضغوط الأمريكية المتواصلة.
وفي السياق ذاته، برز موقف رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك الذي دعا إلى تجنب "حرب تجارية غير ضرورية وغبية تمامًا"، في إشارة واضحة إلى تهديدات ترامب بفرض تعريفات جمركية على الاتحاد الأوروبي.
وأظهرت هذه التصريحات حجم القلق الأوروبي من تداعيات السياسات الأمريكية الجديدة على العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
معركة جرينلاند
شكلت قضية جرينلاند محورًا رئيسيًا في المناقشات الأوروبية، إذ أكد رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أن الحفاظ على السلامة الإقليمية لمملكة الدنمارك وسيادتها وحرمة حدودها يمثل خطًا أحمر لجميع الدول الأعضاء.
ونقلت بوليتيكو عن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو تصريحات تشير إلى أن مخاوف ترامب بشأن جرينلاند مدفوعة بالقلق من النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، قدم الأمين العام لحلف الناتو مارك روته مقترحًا يقضي بالسماح للحلف بتأمين الأراضي القطبية، مع إمكانية نشر قوات الحلف هناك.
وقد لقي هذا المقترح ترحيبًا من رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن، التي أكدت رغبة بلادها في تكثيف التعاون مع الناتو في المنطقة القطبية الشمالية، مع الإشارة إلى أن أي قوات للناتو ستنضم إلى الوجود العسكري الأمريكي الكبير الموجود في جرينلاند منذ عقود بموافقة الدنمارك.
السياسة الدفاعية الأوروبية
كشف الاجتماع عن تحول جذري في المواقف الأوروبية تجاه الإنفاق الدفاعي، إذ أبدى المستشار الألماني أولاف شولتس، المعروف بتحفظه المالي، مرونة غير مسبوقة في مسألة تمويل المشروعات الدفاعية.
وأكد المستشار الألماني وجود "رؤية واسعة النطاق بضرورة توفير مزيد من المرونة لتمويل التوسع الهائل في الاستثمارات الدفاعية، على سبيل المثال من خلال الاقتراض"، وإن كان قد رفض في الوقت نفسه الدعوات لإصدار ديون مشتركة لتمويل المشروعات الدفاعية.
وأشارت بوليتيكو إلى أن هذا التحول في الموقف الألماني قوبل بترحيب من دول مثل إيطاليا وبولندا ودول البلطيق، التي تطالب باستثناء الإنفاق الدفاعي من حدود العجز والدين في الاتحاد الأوروبي.
كما أبدى شولتس موقفًا إيجابيًا تجاه التمويل الأوروبي لمشروعات مثل درع الدفاع الجوي اليوناني-البولندي المشترك، والدرع الشرقي الذي تقوده بولندا لبناء دفاعات على طول الجناح الشرقي للاتحاد.
الصناعات الدفاعية
كشفت المناقشات عن انقسامات عميقة بين الدول الأعضاء حول مستقبل الصناعات الدفاعية الأوروبية، فبينما عارض رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك فرض قيود على شراء الأسلحة، مشيرًا إلى أن بلاده تنفق مليارات على أنظمة أسلحة أمريكية وكورية جنوبية، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى "المضي قدمًا" في إنشاء قاعدة دفاعية أوروبية وتبني سياسة "الأفضلية الأوروبية".
وفي تطور لافت، شهد الاجتماع مشاركة تاريخية لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي حضر العشاء مع نظرائه الأوروبيين في أول مشاركة لزعيم بريطاني في مثل هذا التجمع منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".
وأعربت فون دير لاين عن استعداد الاتحاد لمناقشة تعاون أعمق مع لندن، خاصة في مجالي الأمن والدفاع، مما يشير إلى إمكانية فتح صفحة جديدة في العلاقات الأوروبية البريطانية في ظل التحديات الأمنية المتزايدة.