أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرارًا بفرض رسوم جمركية جديدة على واردات بلاده من كندا والمكسيك والصين، في أول قرار اقتصادي رئيسي له منذ عودته إلى البيت الأبيض 20 يناير الماضي.
وفي حين تأتي هذه الخطوة في إطار سياسة "أمريكا أولًا" التي تبناها ترامب خلال حملته الانتخابية، والتي وعد من خلالها بإعادة التوازن إلى العلاقات التجارية الأمريكية مع الشركاء الرئيسيين، من المتوقع أن تلقي هذه القرارات بظلالها على المشهد الاقتصادي العالمي.
القرار وتداعياته الاقتصادية
كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن تفاصيل القرار الجديد، إذ ستفرض أمريكا رسومًا جمركية بنسبة 25% على معظم الواردات من كندا والمكسيك، مع استثناء وحيد لقطاع الطاقة الكندي الذي سيخضع لرسوم بنسبة 10%، كما سيتم فرض رسوم بنسبة 10% على جميع الواردات الصينية.
وأوضح مسؤولون في البيت الأبيض أن البضائع التي تم شحنها قبل يوم السبت لن تخضع للرسوم الجديدة، في حين ستدخل الرسوم حيز التنفيذ بشكل كامل يوم الثلاثاء المقبل.
وفي تحليل شامل للتأثيرات الاقتصادية المحتملة، حذّر جريجوري داكو، كبير الاقتصاديين في مؤسسة EY-Parthenon، من أن هذه الرسوم ستؤدي إلى انخفاض حاد في النمو الاقتصادي الأمريكي، موضحًا أن التأثير السلبي سيمتد على مدى عامين على الأقل، مع توقعات بانخفاض الناتج الاقتصادي بنسبة 1.5% في عام 2025، وتراجع إضافي بنسبة 2.1% في عام 2026.
وأضاف أن هذه التوقعات تستند إلى تحليل شامل لتأثير ارتفاع الأسعار على الإنفاق الاستهلاكي والاستثمارات التجارية.
الأبعاد السياسية
أثار القرار موجة من ردود الفعل المتباينة داخل الكونجرس الأمريكي وخارجه، فعلى الصعيد المحلي، اصطفت المواقف بشكل واضح على أساس حزبي، حيث أشاد الجمهوريون بالقرار واعتبروه خطوة ضرورية لحماية المصالح الأمريكية.
في هذا السياق، أكد جيسون سميث، رئيس لجنة الوسائل والطرق في مجلس النواب، أن هذه الرسوم تمثل رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع استمرار تدفق المخدرات والهجرة غير الشرعية عبر حدودها.
في المقابل، انتقد ريتشارد نيل، كبير الديمقراطيين في اللجنة، القرار بشدة، معتبرًا إياه ضربة قوية للطبقتين العاملة والمتوسطة.
وعلى الصعيد الدولي، أثار القرار ردود فعل غاضبة من الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، إذ حذّر دوج فورد، رئيس وزراء مقاطعة أونتاريو الكندية، في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء، من أن هذه الرسوم ستؤدي إلى خسائر فادحة للاقتصادين الأمريكي والكندي على حدٍ سواءٍ.
وأضاف أن تأثير القرار سيكون فوريًا على الشركات والعمال في كلا البلدين، متوقعًا تباطؤًا في الطلبيات وتخفيضًا في ورديات العمل وفقدانًا محتملًا للوظائف.
التأثيرات القطاعية
يشير التحليل الاقتصادي الذي نشرته غرفة التجارة الأمريكية ونقلته صحيفة "ذي إيكونوميست" إلى أن تأثير الرسوم الجديدة سيكون عميقًا على العديد من القطاعات الحيوية، ففي قطاع السيارات وحده، تجاوزت قيمة الواردات الأمريكية من المكسيك 126 مليار دولار العام الماضي، بينما بلغت الواردات من كندا 46 مليار دولار.
وقد حذر فلافيو فولب، رئيس جمعية مصنعي قطع غيار السيارات الكندية وعضو مجلس العلاقات الكندية الأمريكية، في تصريحات لبوليتيكو، من احتمال توقف صناعة السيارات بالكامل في أمريكا الشمالية خلال أسبوع واحد من تطبيق الرسوم.
وفي قطاع الغذاء، أوضحت ليزلي ساراسين، رئيسة جمعية صناعة الأغذية الأمريكية، أن الرسوم الجديدة ستؤدي حتمًا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، خاصة الفواكه والخضروات المستوردة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة لتكملة إنتاجها المحلي.
وأضافت أن هذا الارتفاع في الأسعار سيأتي في وقت حساس يُعاني فيه المستهلكون الأمريكيون بالفعل من ضغوط تضخمية كبيرة.
وعلى الرغم من هذه التحذيرات، يبدو ترامب مصرًا على موقفه، حيث صرح في مؤتمر صحفي بأن "الرسوم الجمركية لا تسبب التضخم، بل تحقق النجاح".
واستند ترامب في قراره إلى قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية، وهو قانون عمره خمسون عامًا يمنح الرئيس صلاحيات واسعة لفرض عقوبات بعد إعلان حالة الطوارئ، علمًا بأنه لم يسبق لأي رئيس أمريكي استخدام هذا القانون لفرض رسوم جمركية.
وتجدر الإشارة إلى أن المفاوضات مستمرة مع الدول الثلاث المتأثرة بالقرار، حيث يقود وزير الخارجية ماركو روبيو، وكبير مستشاري السياسات في البيت الأبيض ستيفن ميلر، هذه المحادثات، بمشاركة مسؤولين من وزارات الخزانة والأمن الداخلي والداخلية.
وقد أوضح مسؤول رفيع في البيت الأبيض، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن هناك معايير محددة يجب على هذه الدول تحقيقها لإقناع الرئيس ترامب برفع الرسوم، خاصة فيما يتعلق بمكافحة تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية.