تحاول المكسيك وكندا وضع خلافاتهما جانبًا، وتشكيل جبهة أكثر اتحادًا، في مواجهة تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية باهظة عليهما، الأسبوع المقبل، وفق ما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وهدد ترامب، مرارًا وتكرارًا، أكبر شريكين تجاريين لبلاده بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع الصادرات إلى الولايات المتحدة، ردًّا على ما يقول إنه مستويات متزايدة من الهجرة غير الشرعية والاتجار في مادة الفنتانيل الأفيونية إلى البلاد، وحذر من أن تطبيق الرسوم الجمركية سيبدأ بدءًا من مطلع فبراير.
وترسل المكسيك وكندا ثلاثة أرباع صادراتهما إلى الولايات المتحدة، على أساس اتفاقية التجارة بين الدول الثلاث، التي تم توقيعها خلال ولاية ترامب الأولى.
وتعتمد المكسيك على الولايات المتحدة في نحو 70% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، ولطالما ألقى ترامب باللوم عليها في تدفق المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات إلى الولايات المتحدة.
وتتوقع غرفة التجارة الكندية انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 2.6%، أو ما يقرب من 78 مليار دولار كندي (54 مليار دولار أمريكي)، إذا نفذ ترامب تهديداته، ما يكلف الكنديين نحو 1900 دولار كندي للشخص الواحد سنويًا.
ورغم التهديد المشترك من جانب ترامب، توترت العلاقات بين المكسيك وكندا العام الماضي، في البداية، بسبب مخاوف سفير أوتاوا بشأن إصلاح القضاء المكسيكي.
وتفاقمت التوترات بشكل كبير في نوفمبر الماضي، بعد أن ألمح رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، إلى أنه سيكون منفتحًا على استبعاد المكسيك من اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، واتفق مع ترامب على أن الاستثمار الصيني في المكسيك كان إشكاليًا، في محاولة واضحة لكسب ودِّ الرئيس الأمريكي.
وأثارت هذه التعليقات وغيرها غضبًا في مكسيكو سيتي، لكن البلدين اتفقا على التعاون في مواجهة تحذير ترامب بشأن الرسوم الجمركية، وجرت سلسلة من المكالمات الهاتفية بين الوزراء في الشهر الماضي، حسبما قال مسؤولون لفايننشال تايمز.
وقال دييجو ماروكين بيطار، الباحث في شؤون أمريكا الشمالية في مركز ويلسون للأبحاث: "ربما تسببت الضوضاء السياسية في تأخيرات وأحكام غامضة في أوتاوا، ولكن الكنديين ربما أدركوا أخيرًا أن التنسيق الأفضل مع المكسيك أمر بالغ الأهمية".
وكان أحد الأهداف الرئيسية للتقارب هو توحيد سرديات البلدين حول كيف أن التعريفات الجمركية الأمريكية ستكون بمثابة اقتراح خاسر للجميع، من شأنه أن يدفع الأسعار إلى الارتفاع بالنسبة للمستهلكين في الدول الثلاثة.
قال "ترودو"، هذا الأسبوع: "أعلن ترامب أنه يريد عصرًا ذهبيًا للاقتصاد الأمريكي.. وهذا يعني أنهم سيحتاجون إلى المزيد من الطاقة والمعادن والفولاذ والألومنيوم والأخشاب والخرسانة، والمزيد من الأشياء التي ترسلها كندا إليهم بالفعل".
كما أعدت أوتاوا ومكسيكو سيتي قوائم منفصلة للرسوم الجمركية الانتقامية، في حين أرسلتا في الوقت نفسه أغصان الزيتون العامة والخاصة إلى فريق ترامب بشأن أمن الحدود، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر.
وأعدت المكسيك تعريفات جمركية يطلق عليها محليًا اسم "دوارة" المنتجات التي يتم ضغطها لعدة أشهر قبل أن يتم تحويلها إلى ولايات أخرى تستهدف المشرعين الجمهوريين الرئيسيين.
كما أشارت كندا إلى أنها تستعد لفرض عقوبات متبادلة من شأنها أن تخلق "أكبر قدر من القلق في الولايات المتحدة مع أقل قدر من الألم في كندا"، بحسب جوناثان ويلكينسون، وزير الطاقة والموارد الطبيعية.
وتجري حاليًا مراجعة اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا المقررة في عام 2026، فيما يضغط ترامب من أجل إدخال تغييرات للحد من بصمة الصين في المنطقة، وبدأت المشاورات العامة هذا الأسبوع في واشنطن، وطلب الرئيس من الممثل التجاري الأمريكي تقديم توصيات بشأن مستقبل الاتفاقية بحلول الأول من أبريل.
وتستعد أوتاوا ومكسيكو سيتي لدفع ترامب نحو إعادة التفاوض على اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، والتي أعاد الرئيس التفاوض عليها خلال ولايته الأولى فيما أسماه "انتصارًا هائلًا للعمال الأمريكيين" بدلًا من "المراجعة" غير المحددة المقرر إجراؤها بموجب الاتفاقية.
ويقول أشخاص مطلعون على خطط البيت الأبيض، إن الولايات المتحدة تريد إجراء تغييرات للحد من المحتوى الأجنبي في السيارات وتقليص الروابط الصينية المتنامية مع الاقتصاد المكسيكي.
كما أثار ترامب مسألة العجز التجاري المرتفع للولايات المتحدة مع شريكتي اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، محذرًا أوتاوا من أن واشنطن قد تستخدم "القوة الاقتصادية" لجعل كندا الولاية رقم 51.
وفي الواقع، تستورد الولايات المتحدة نحو 40% من النفط الخام الذي تكرره بواقع 60% من هذه الكمية تأتي من كندا و11% من المكسيك.
وقال مارك شولتز، الرئيس التنفيذي للجمعية الكندية لمقاولي الطاقة، إن "فرض الرسوم الجمركية سيؤثر سلبًا ليس فقط على المستهلكين الأمريكيين، بل وأيضًا على مصالح أمن الطاقة الأمريكية".
واستجابت كندا لمطالب ترامب بشأن الحدود، وتعهدت بإنفاق أكثر من مليار دولار على الأمن باستخدام المروحيات والطائرات بدون طيار وزيادة القوى العاملة، رغم أن ترودو أشار إلى أن 1% فقط من المهاجرين غير الشرعيين يدخلون الولايات المتحدة يأتون من كندا، وكذا المخدرات غير المشروعة.
كما عززت المكسيك إجراءاتها الخاصة بالهجرة، وسوف تستقبل الآن طالبي اللجوء الذين ينتظرون البت في طلباتهم في الولايات المتحدة، وهدد ترامب بنشر قوات خاصة أمريكية في المكسيك للقضاء على عصابات المخدرات.