في خطوة وصفها مراقبون بأنها الأكثر إثارة للجدل منذ تولي الرئيس دونالد ترامب السلطة مجددًا، شهد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "FBI" موجة إقالات واسعة النطاق، استهدفت بشكل خاص المسؤولين والمحققين الذين شاركوا في التحقيقات الجنائية المتعلقة بالرئيس ترامب خلال السنوات الماضية.
إجراءات غير مسبوقة
كشفت مصادر مطلعة لصحيفة "ذا هيل" عن عملية واسعة النطاق شملت إقالة رؤساء المكاتب الميدانية في خمس مدن رئيسية، هي واشنطن العاصمة وميامي وسياتل ونيو أورليانز ولاس فيجاس. وفي مشهد غير معتاد، شهد المكتب الميداني في واشنطن عملية مرافقة المحققين الذين عملوا في قضيتي مار-إه-لاجو وأحداث السادس من يناير خارج المبنى، في إجراء وصفه مراقبون بأنه يحمل دلالات سياسية عميقة. ولم تقتصر الإقالات على المستويات الميدانية، بل امتدت لتشمل المديرين التنفيذيين المساعدين الخمسة في المكتب، وهم يمثلون أعلى المناصب المهنية في التسلسل الهرمي للمؤسسة، مما يشير إلى تغيير هيكلي شامل في قيادة المكتب.
وأوضحت المصادر أن عملية الإقالة جاءت في أعقاب تصريحات متناقضة من قبل كاش باتيل، مرشح ترامب لرئاسة المكتب، الذي تعهد أمام مجلس الشيوخ باحترام الإجراءات الداخلية للمكتب وعدم اتخاذ إجراءات انتقامية. وأوضحت الصحيفة أن هذا التناقض الصارخ بين التصريحات والإجراءات الفعلية، أثار موجة من الانتقادات الحادة، خاصة من قبل جمعية عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، التي اعتبرت هذه الخطوات تقويضًا صريحًا لاستقلالية المؤسسة ومهنيتها.
نمط متكرر بالعدل
وفي سياق متصل، كشفت "ذا هيل" عن وجود نمط متماثل من الإجراءات في وزارة العدل، حيث تم فصل جميع المدعين الذين شاركوا في التحقيقات الجنائية المتعلقة بترامب. وفي مذكرة داخلية حصلت عليها الصحيفة، برر القائم بأعمال وزير العدل جيمس ماكهنري هذه القرارات بوجود ما وصفه بـ"حملة منهجية" من قبل إدارة بايدن السابقة ضد خصومها السياسيين. وأشار ماكهنري في المذكرة إلى أن هذه الحملة المزعومة بلغت ذروتها في "الملاحقات القضائية غير المسبوقة" التي استهدفت الرئيس ترامب شخصيًا، معبرًا عن عدم ثقة قيادة الوزارة في قدرة هؤلاء المدعين على تنفيذ أجندة الرئيس بإخلاص.
تداعيات على الأمن القومي
أثارت التطورات المتسارعة موجة من القلق في أوساط المشرعين الأمريكيين، إذ حذر السيناتور مارك وارنر، كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، من تداعيات خطيرة لما وصفه بـ"تطهير" العشرات من أكثر العملاء خبرة في المكتب الفيدرالي.
وفي السياق ذاته، قدم النائب جيمي راسكين تحليلًا مفصلًا للوضع، محذرًا من أن إقالة مئات المدعين والموظفين وعملاء إنفاذ القانون ذوي الخبرة سيقوض بشكل خطير قدرة الحكومة على مواجهة التهديدات الأمنية والإلكترونية والجنائية. وأضاف راسكين في تصريحات نقلتها "ذا هيل" أن هذه الإجراءات تعكس أجندة قائمة على "الانتقام والثأر"، محذرًا من أن استمرار هذا النهج في التعامل مع قوى إنفاذ القانون الفيدرالية سيعرض الديمقراطية الأمريكية لمخاطر غير مسبوقة.
وفي تقييم شامل لتداعيات هذه التطورات، حذر النائب جيم هايمز، كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، من أن هذه الإجراءات تشكل تهديدًا مباشرًا لقدرة الولايات المتحدة على حماية مواطنيها، مشيرًا إلى أن تقويض استقلالية النظام القضائي يمثل خطرًا داهمًا على أسس الديمقراطية الأمريكية. وتأتي هذه التطورات في سياق أوسع من التغييرات الجذرية التي تشهدها المؤسسات الأمريكية منذ تولي ترامب السلطة مجددًا بعد فوزه في انتخابات نوفمبر 2024.