رغم أن التعديل الثاني والعشرين في الدستور الأمريكي ينص على أنه "لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين"، حتى لو كانت هاتان الفترتان -مثلما فعل دونالد ترامب- غير متتاليتين، لكن المخاوف بين الأمريكيين بدأت في الارتفاع من أن يسعى مُلهم حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى (MAGA)" لانتزاع ولاية ثالثة.
للوهلة الأولى، يبدو التعديل بمثابة عائق مطلق أمام الفكرة، إذ تم التصديق عليه في عام 1951 ردًا على رئاسة فرانكلين روزفلت التي استمرت أربع فترات، وقبله لم يترشح أي رئيس لإعادة انتخابه بعد أن أمضى فترتين رئاسيتين، وهي القاعدة التي تعود إلى عهد جورج واشنطن.
ورغم أنه حتى ترامب -المعروف بخرقه للأعراف والقوانين- لا يستطيع بأي حال من الأحوال التحايل على هذا القيد الدستوري الواضح، لكن جيمس روموسر، محرر الشؤون القانونية في "بوليتيكو"، لفت إلى أن الشعب الأمريكي لا يجب أن يكون متأكدًا إلى هذا الحد.
وبطبيعة الحال، لدى ترامب -بالفعل- سجل حافل بمحاولات البقاء في منصبه بعد انتهاء ولايته القانونية.
فكرة قديمة
في الواقع، لا يستبعد ترامب هذا الاحتمال على الإطلاق، بل وظل يروِّج له علنًا لسنوات، ففي أغسطس 2020، قال لأنصاره: "سنفوز بأربع سنوات أخرى.. وبعد ذلك، سنستمر لأربع سنوات أخرى"، وفي مايو 2024، فكر مرة أخرى في إمكانية تولي الرئاسة لثلاث فترات.
وبعد أسبوع من فوزه بفترة ولايته الثانية، في 13 نوفمبر 2024، قال أمام الجمهوريين في مجلس النواب: "أظن أنني لن أترشح مرة أخرى إلا إذا قلتم".
وفي نهاية الأسبوع الماضي، قال: "سيكون أعظم شرف في حياتي أن أخدم ليس مرة واحدة بل مرتين أو ثلاث أو أربع مرات"، قبل أن يستدرك بسرعة: "لا، سيكون الشرف أن أخدم مرتين".
كما كانت مجلة المحافظين الأمريكيين بدأت في وضع الأساس لهذه الفكرة حتى قبل فوز ترامب في العام الماضي.
ففي مارس، نشرت المجلة مقالًا يزعم أنه إذا نجح ترامب في الفوز بولاية ثانية، فيتعين إلغاء التعديل الثاني والعشرين للسماح له بالترشح لولاية ثالثة.
وكتب بيتر تونجيت، أحد المحررين المساهمين في المجلة: "إذا شعر الناخبون بحلول عام 2028 أن أداء ترامب كان سيئًا، فيمكنهم اختيار مرشح آخر، ولكن إذا شعروا أنه وفى بوعوده، فلماذا يُحرمون من حرية اختياره مرة أخرى؟".
رغبة ومنافع
في 20 يناير 2029، يصبح بإمكان ترامب ببساطة التقاعد في مار -أ-لاجو، بعد أن هزم جميع أعدائه وعزز مكانته كشخصية تاريخية عالمية، ووقتها سيكون قد بلغ من العمر 82 عامًا في نهاية ولايته الثانية.
ولكن إذا كانت لديه القدرة على الاستمرار في منصبه، فقد تكون لدى الرئيس العائد حوافز قوية لمحاولة الاحتفاظ بصلاحيات وامتيازات الرئاسة.
ولفت تحليل "بوليتيكو" إلى أن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت ترامب إلى الترشح في انتخابات 2024 هي الرغبة في التهرب من قضاياه الجنائية، وبالفعل نجحت هذه الاستراتيجية، وكان لا بد من إغلاق القضيتين الفيدراليتين المرفوعتين ضده بعد فوزه، بسبب موقف وزارة العدل الراسخ المتمثل في عدم إمكانية محاكمة الرئيس الحالي.
كما أدى انتخابه إلى إفشال القضية المتعثرة ضده في جورجيا، وفي قضية "أموال الصمت" في نيويورك، وهي القضية الوحيدة من بين القضايا الأربع التي وصلت إلى المحاكمة وانتهت بالإدانة، ضمن فوز ترامب حصوله على حكم "إفراج غير مشروط".
ولكن قد لا يكون ترامب خاليًا تمامًا من كل مشكلاته القانونية في نهاية ولايته الثانية، إذ احتفظ المستشار الخاص جاك سميث صراحة بالقدرة على إحياء التهم الفيدرالية وإعادة تقديمها لوزارة العدل في المستقبل بعد مغادرة ترامب لمنصبه، وإذا بدا أن الديمقراطيين في وضع جيد للفوز بانتخابات 2028، فقد يخشى ترامب أن تعود هذه التهم إلى الحياة.
أيضًا، كما أن قرار المحكمة العليا العام الماضي بمنح الحصانة الشاملة من شأنه أن يشكل عقبة أمام توجيه اتهامات له عن أي شيء يفعله أثناء توليه الرئاسة، لكنه لن يكون عقبة لا يمكن التغلب عليها.
لذلك، إذا كانت هناك دعوات جدية لمقاضاة ترامب مرة أخرى بعد ولايته الثانية، فليس من الصعب التخيل أنه سيتوصل إلى استنتاج مفاده أن أفضل طريقة لدرء هذه الجهود هي -ببساطة- البقاء في منصب الرئيس.
تعديل الدستور
فيما يتفق كل باحث دستوري في الولايات المتحدة على أن الحد الأقصى لفترتي الرئاسة ينطبق على أي فترتين يشغلهما شخص واحد، حتى لو لم تكن هاتان الفترتان متتاليتين، لكن هذه القاعدة قد يعمل ترامب على تقويضها، من خلال الوسائل القانونية وغير القانونية.
وليست هذه هي القاعدة الدستورية الوحيدة، إذ يسعى الرئيس الأمريكي بالفعل إلى إلغاء بند حق المواطنة بالولادة في التعديل الرابع عشر.
هنا، الطريق الأكثر وضوحًا بالنسبة لترامب هو إقناع الأمريكيين بإلغاء الحد الأقصى المنصوص عليه في التعديل الثاني والعشرين، ومن الجائز إلغاء أي تعديل، وقد حدث ذلك من قبل عندما تم إلغاء الحظر الذي فرضه التعديل الثامن عشر على بيع الكحول.
لكن، وكما تؤكد "بوليتيكو"، فإن "الإلغاء الرسمي يتطلب دعمًا شعبيًا ساحقًا، وهو أمر بعيد المنال في أمتنا المنقسمة اليوم".
ولإقرار التعديل أو إلغائه، يتعين على ثلثي مجلسي الكونجرس اقتراح تعديل جديد، أو يتعين على ثلثي الولايات الدعوة إلى عقد مؤتمر دستوري لاقتراح تعديل، ثم يتعين على ثلاثة أرباع الولايات التصديق على التعديل المقترح.
وحتى إذا ظل ترامب يتمتع بشعبية بين الجمهوريين، فمن الصعب التخيل أنه سيتمكن من حشد الأغلبية العظمى اللازمة.
ثغرة وتجاوز
هناك خيار آخر لدى ترامب يتمثل في استغلال ثغرة كبيرة في التعديل الثاني والعشرين، والتي لا تتناول إمكانية أن يصبح الشخص رئيسًا لفترة رئاسية ثالثة من خلال أي وسيلة قانونية أخرى.
هنا، قد يمارس ترامب جزءًا من الحيلة التي مارسها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما قضى فترة رئيسًا للوزراء بينما شغل صديقه ديمتري ميدفيديف منصب الرئيس حتى عاد بوتين إلى رأس السلطة، لكن ترامب قد يسعى في 2029 لانتخابه نائبًا للرئيس، ثم صعوده مرة أخرى إلى الرئاسة من خلال وفاة أو استقالة -أو إزاحة- الرئيس الموجود.
لكن قد تحمل هذه الحيلة بعض المخاطر بالنسبة لترامب، إذ يتعين عليه أن يثق فيمن يختاره بنفسه للوفاء بوعده بالتنحي عن الرئاسة على الفور والسماح لترامب بالعودة إلى المنصب. ومن الناحية النظرية، قد يتراجع هذا الشخص عن الاتفاق بعد الانتخابات ويحتفظ بالرئاسة.
تجاهل الدستور
قد يجرب ترامب شيئًا أكثر جرأة و"أكثر ترامبية" -حسب تعبير الصحيفة- ويمكنه الترشح لولاية ثالثة ومعرفة ما إذا كان هناك من سيوقفه.
ولكن هل ستوافق المحكمة العليا على انتهاك صارخ للتعديل الثاني والعشرين؟ يبدو هذا الأمر غير معقول، حتى بالنسبة لهذه المحكمة المحافظة للغاية، لذلك يبدو هذا السيناريو ضعيفًا للغاية.
وهناك طريقة أخيرة قد يحاول بها ترامب التمسك بالسلطة، وهو أن يرفض ترك منصبه، إذ قد يسعى لإلغاء أو تأجيل الانتخابات من خلال إعلان نوع من الطوارئ الوطنية.
ورغم أنه ليس لدى الرئيس الأمريكي سلطة قانونية لإلغاء أو تأجيل الانتخابات، لكن هذا لا يعني أن ترامب لن يحاول ذلك، ربما من خلال استغلال كارثة طبيعية أو حتى بدء حرب، أو يسمح بإجراء انتخابات 2028 مع مرشحين آخرين، لكنه يعلن أن النتيجة مزورة، ويقرر البقاء في السلطة بنفسه، وهو السيناريو الذي حاول القيام به مع جو بايدن.