أعود بعد الاعتزال وسأظل في خدمة البلد حتى الموت
لينين الرملي عبقري تنبأ بأحداث في أعماله المسرحية منها "أهلا يا بكوات"
كان اختيار إدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب للكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول، كشخصية معرض الطفل في دورته هذا العام، تتويجًا لمسيرتها وبمثابة تكليل لسنوات من العمل الجاد في خدمة ثقافة الطفل وأدبه، لتظل نموذجًا ملهمًا للأجيال الجديدة من المبدعين.
المعدول التي تعد واحدة من أبرز الأسماء في عالم الكتابة للأطفال، أضاءت مسيرتها الأدبية والفنية سماء الثقافة المصرية والعربية لعقود. منذ تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحية في 1970، حققت فاطمة المعدول إنجازات استثنائية في مجال مسرح الطفل وأدب الأطفال، حيث أثرت المكتبة العربية بأكثر من 50 كتابًا للأطفال في مختلف الأعمار، وكتبت وأخرجت العديد من المسرحيات التي لاقت استحسانًا كبيرًا من الجمهور والنقاد. إضافة إلى ذلك، تركت بصمة واضحة في مجال ثقافة الطفل، إذ تولت العديد من المناصب الرفيعة وكانت أول سيدة تتقلد مناصب في وزارة الثقافة المصرية ولم تقتصر إبداعاتها على الكتابة والإخراج، بل عملت أيضًا على تدريب وتطوير الجيل الجديد من المبدعين في مجال أدب وفنون الطفل. تكريمها في مهرجان نبته للأطفال ضمن فعاليات مهرجان العلمين يُعد اعترافًا بمساهماتها العميقة التي أسهمت في تشكيل وعي الأطفال وتنمية خيالهم في مصر والوطن العربي.
أعربت الكاتبة والمخرجة فاطمة المعدول عن سعادتها الغامرة بعد اختيارها لتكون "شخصية معرض الطفل" في الدورة المقبلة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، مؤكدة أن هذا التكريم هو نتيجة سنوات من العمل الجاد في خدمة ثقافة وأدب الطفل. وقالت في تصريح خاص: "فرحت جدًا بهذا الخبر، فهو تكريم كبير يعكس تقديرًا لمسيرتي الطويلة في مجال الكتابة للأطفال. شعرت أن الله يكافئني على جهودي، رغم أنني لم أنتظر يومًا تكريمًا أو جائزة عن عملي. الحمد لله، هذا الاختيار أسعدني جدًا"، مشيرة إلى أن الحدث يحمل لها قيمة خاصة باعتباره تكريمًا من بلدها.
بدايات المعرض
استرجعت المعدول ذكرياتها مع معرض الكتاب، مؤكدة أن علاقتها به تمتد منذ عام 1969، عندما حضرت أول دورة للمعرض عقب نكسة 1967. وتحدثت عن الدور الكبير الذي لعبه المعرض في بث الأمل في ذلك الوقت، مشيرة إلى إصرار الراحلة الدكتورة سهير القلماوي على إقامة المعرض رغم التحديات الاقتصادية التي كانت تواجه الهيئة. وأكدت فاطمة المعدول: "أعتبر نفسي من تلامذة القلماوي رغم أنني لم أحضر محاضراتها مباشرة، لكنها كانت مصدر إلهام كبير لي".
في حديثها عن مسيرتها المهنية، أكدت المعدول أنها قدمت إسهامات كبيرة في كتب الأطفال، حيث اهتمت بجودة الإخراج والرسوم واستخدام الورق الممتاز. وأشارت إلى أن كتاب الطفل ليس مجرد نص مكتوب، بل هو مزيج بين المحتوى البصري والمكتوب، مما يجعل الرسوم في كتب الأطفال مهمة جدًا في المراحل العمرية المبكرة. وأوضحت أنها عملت على رفع قيمة حقوق المؤلفين والرسامين في هذا المجال، حيث كانت تسعى دائمًا لتحسين مستوى الإنتاج وتوفير حقوق عادلة للمبدعين. وقالت: "عندما بدأت، كان المؤلف يتقاضى مئة جنيه فقط، والرسام مئة وخمسين جنيهًا. سعيت لرفع هذه الأرقام".
عودة من الاعتزال
بعد فترة من الغياب بسبب ظروفها الصحية، أعلنت فاطمة المعدول عن قرارها بالعودة إلى الساحة الفنية. وقالت: "أنا هرجع مرة أخرى للشغل حيث كنت شبه اعتزلت، فما لمسته من حب الناس والاهتمام من كل الناس ووزارة الثقافة، سأظل في خدمة البلد حتى الموت طالما بداخلي نفس". وأوضحت أن غيابها كان بسبب خضوعها لعملية جراحية في فمها أزالت خلالها جزءًا من فمها، مما استدعى فترة طويلة من الراحة.
ورغم التوقف الطويل، أكدت المعدول أن لديها شغفًا كبيرًا للعودة إلى المسرح، خاصةً مع دعم المخرج خالد جلال، الذي يعتبره بمثابة ابنها، والذي رحب بفكرة العودة للمسرح.
رائدة مسرح الطفل وذوي الهمم
تعد فاطمة المعدول من الأوائل في مجال مسرح الأطفال في مصر، حيث قدمت العديد من الأعمال الرائدة. ومن أبرز تلك التجارب كانت مسرحية "الوفاء والأمل"، أول مسرحية لذوي الهمم، التي قدمتها قبل وفاة الرئيس أنور السادات. ورغم أن المجتمع المصري لم يكن مستعدًا لهذه الفكرة في ذلك الوقت، إلا أن السيدة جيهان السادات أشادت بهذه التجربة ودعمتها. كما تعاونت المعدول مع مؤسسة ألمانية لتقديم مسرحية "الحق في الحياة" لذوي الهمم، التي كانت تجربة رائعة.
أمنيات لأطفال مصر
في حديثها عن أمنياتها لأطفال مصر، عبّرت فاطمة المعدول عن رغبتها في أن تكون هناك قناة مخصصة للأطفال تقدم لهم محتوى عربي، بدلاً من الأعمال الأجنبية التي باتت تهيمن على عقولهم. وقالت: "أولادنا حاليًا فريسة للأعمال الأجنبية مثل ديزني وغيره، ونحن نضيع في المنتصف، وخاصة الذين لا يتابعون بلدهم". وأضافت أنها تتمنى تعديل المناهج التعليمية للأطفال لتعريفهم بتراثهم الثقافي المصري وتعزيز هويتهم الأصلية.
لينين الرملي يتنبأ بالأحداث
تحدثت فاطمة المعدول أيضًا عن شراكتها الفنية الناجحة مع زوجها الراحل الكاتب المسرحي لينين الرملي، الذي كتب العديد من المسرحيات الشهيرة مثل "علي بيع مظهر" و"تخاريف". كشفت المعدول عن عبقرية زوجها الراحل، قائلة: "كان عبقريًا وزكيًا، ومن أول يوم شاهدته في معهد الفنون المسرحية، تنبأ بالكثير من الأحداث". وأشارت إلى أن الرملي كان قد تنبأ بسيطرة التيار الديني على المنطقة في مسرحية "أهلا يا بكوات"، كما تنبأ في مسرحية "بالعربي الفصيح" بشرزمة العرب، حيث كانوا يظنون أن شخصية "فايز" تمثل فلسطين ضحية، لكنهم اكتشفوا في النهاية أنهم جميعًا أصبحوا ضحايا.
وارتبط اسم المعدول بتقديم الكثير من المسرحيات حيث أخرجت عدة عروض منها "سندريلا، الأميرة النائمة، حكاية وردة، الجندي السهران" وغيرها، وكتبت أكثر من 100 كتاب أدبي وسيناريوهات أفلام قصيرة للأطفال في مراحلهم العمرية المختلفة.