كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن توجه جديد في السياسة الدفاعية الفرنسية والأوروبية، مُحذرًا من ضرورة الاستعداد لسيناريوهات انسحاب أمريكي محتمل من القارة العجوز، في هذا الصدد أبرزت صحيفة "بوليتيكو"، تفاصيل هذا التحول الاستراتيجي الذي يمكن أن يرسم ملامح جديدة للمشهد الأمني الأوروبي في السنوات المقبلة.
المخاوف الفرنسية وتحديات المستقبل الدفاعي
في خطاب مفصلي ألقاه أمام حشد من كبار المسؤولين العسكريين وممثلي الصناعات الدفاعية، خلال خطابه السنوي للقوات المُسلحة، طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تساؤلات جوهرية حول مستقبل الدفاع الأوروبي.
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن فرنسا، التي تنفق حاليًا 2.06% من ناتجها المحلي الإجمالي على القطاع العسكري، قد تكون في طريقها لتجاوز هذه النسبة بشكل كبير.
وفي تحليله للوضع الراهن، طرح ماكرون سؤالًا محوريًا حول ما إذا كانت هذه النسبة كافية لتحقيق العمق والابتكار اللازمين للدفاع في مواجهة كبرى، وما إذا كانت تكفي لتنظيم القدرات العسكرية على المستوى الأوروبي.
وفي سياق متصل، جاء توقيت خطاب ماكرون لافتًا للنظر، إذ ألقاه قبل ساعة واحدة من مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليطرح تساؤلات استراتيجية عميقة حول مستقبل الأمن الأوروبي.
وتساءل الرئيس الفرنسي عن خطط أوروبا في حال سحب الحليف الأمريكي سفنه الحربية من البحر المتوسط، أو إذا قرر نقل طائراته المقاتلة من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، مؤكدًا أن هذه السيناريوهات تتطلب استعدادًا جادًا من القارة الأوروبية.
تحديات الصناعة العسكرية وضرورة التكامل الأوروبي
كشفت صحيفة "بوليتيكو" عن تفاصيل مثيرة حول واقع الصناعات العسكرية في أوروبا مقارنة بنظيرتها الأمريكية، إذ أشار ماكرون إلى تشتت كبير في المنصات العسكرية الأوروبية، حيث تمتلك الولايات المتحدة 8 منصات رئيسية للحرب البرية مقابل 62 منصة في أوروبا، و6 منصات للحرب البحرية مقابل 47 منصة أوروبية.
هذا التشتت، بحسب ماكرون، يضعف القدرة التنافسية للصناعات العسكرية الأوروبية ويزيد من تكاليف الإنتاج والتطوير.
وفي هذا السياق، شدد الرئيس الفرنسي على ضرورة توجيه أي زيادة في الإنفاق العسكري نحو تعزيز الصناعات الأوروبية وليس الشركات الأمريكية، داعيا إلى تبسيط وتكامل الصناعات الدفاعية الأوروبية وإنشاء شركات قارية رائدة، حتى لو لم تكن فرنسا دائمًا في المقدمة.
وأكد أن النجاح في المنافسة العالمية يتطلب استثمارات أكبر وتبسيط الإجراءات والتكامل بين الشركات الأوروبية.
مستقبل حلف الناتو والتوجهات الأمريكية الجديدة
وفي تطور لافت نقلته "بوليتيكو"، طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حلفاء الناتو برفع إنفاقهم العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مقترح لقي ترحيبًا من دول شرق أوروبا، وخاصة بولندا وليتوانيا، نظرًا لقربها من الحدود الروسية.
وفي هذا الإطار، أكد بيت هيجسث، مرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع الأمريكي، أنه سيعمل على ضمان التزام حلفاء الناتو بالمادة الثالثة من معاهدة التحالف، والتي تنص على ضرورة استعداد الأعضاء بشكل كافٍ لمواجهة الأزمات.
ومن المتوقع أن يشهد حلف الناتو تحولًا كبيرًا في سياسته المتعلقة بالإنفاق العسكري خلال قمته المقررة في يونيو في لاهاي.
وقد صرح الأمين العام مارك روته مؤخرًا بأن النسبة الجديدة المستهدفة للإنفاق العسكري قد تتجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي، مع التأكيد على أن أي زيادة ستتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء، بما فيها فرنسا.
خطوات عملية نحو التكامل الصناعي العسكري
وفي خطوة عملية تعكس التوجه نحو تعزيز التكامل الصناعي العسكري الأوروبي، أعلن المكتب الفيدرالي الألماني للكارتل موافقته على مشروع مشترك بين شركة راينميتال الألمانية وليوناردو الإيطالية.
ويهدف هذا المشروع إلى تصنيع الدبابات والمركبات المدرعة للجيش الإيطالي، في خطوة تُعتبر بداية لعملية توحيد أوسع في قطاع التسليح البري الأوروبي.
وتؤكد هذه التطورات أن أوروبا تقف على مفترق طرق تاريخي في ما يتعلق بمستقبلها الدفاعي والأمني، فمع عودة ترامب إلى البيت الأبيض والمخاوف المتزايدة من تغير في السياسة الأمريكية تجاه أوروبا، تبدو الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية وتوحيد الجهود الصناعية العسكرية في القارة.