شهدت وزارة الخارجية الأمريكية موجة استقالات واسعة في صفوف كبار الدبلوماسيين، وذلك قبل ساعات من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب لولاية رئاسية ثانية، وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإن هذه الاستقالات جاءت بناءً على طلب مباشر من فريق ترامب الانتقالي، في خطوة تهدف إلى إحداث قطيعة حاسمة مع سياسات إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن.
تفاصيل الاستقالات وأبعادها
كشفت "واشنطن بوست"، نقلًا عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، عن تفاصيل موجة الاستقالات التي تشمل دبلوماسيين مخضرمين ومعروفين في السلك الدبلوماسي الأمريكي.
ومن أبرز المستقيلين جون باس، الذي يشغل منصب وكيل الوزارة للإدارة والقائم بأعمال وكيل الوزارة للشؤون السياسية، وجيوف بايات، مساعد وزير الخارجية لشؤون الطاقة.
وأوضحت الصحيفة أن هؤلاء المسؤولين خدموا في مناصب مؤثرة تحت إدارات ديمقراطية وجمهورية على حد سواء، ما يعكس عمق التغيير الذي يسعى إليه ترامب في المؤسسة الدبلوماسية الأمريكية.
وفي سياق متصل، أشارت الصحيفة إلى أن فريق ترامب أوضح، الجمعة الماضي، للعديد من المسؤولين المهنيين في الوزارة، الذين يشغلون مناصب مساعدي وزير ومناصب عليا أخرى، أنه لن تكون هناك حاجة لخدماتهم بعد ظهر اليوم الاثنين.
وعلى عكس بعض الرؤساء السابقين الذين اختاروا الاحتفاظ بعدد أكبر من الدبلوماسيين المهنيين في المناصب العليا حتى يتم تأكيد المعينين السياسيين من قبل مجلس الشيوخ، فضّل ترامب اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة.
أجندة ترامب الجديدة
تشير "واشنطن بوست" إلى أن هذا التغيير الجذري يأتي في إطار رؤية شاملة للسياسة الخارجية الأمريكية التي يسعى ترامب لتنفيذها خلال ولايته الثانية.
وتشمل هذه الرؤية بحسب ما تشير الصحيفة عدة محاور رئيسية، إذ كشفت أن أولويات ترامب تتضمن فرض تعريفات جمركية شاملة على الحلفاء والخصوم على حد سواء، والسعي لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وتعزيز وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، إضافة إلى تنفيذ سياسات صارمة تجاه الهجرة غير الشرعية تشمل ترحيل ملايين المهاجرين غير الموثقين.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن متحدث باسم الفريق الانتقالي قوله إن البحث عن مسؤولين يشاركون رؤية الرئيس ترامب في وضع المصالح الأمريكية أولًا أمر "مناسب تمامًا".
وأضاف المتحدث: "لدينا الكثير من الإخفاقات التي يجب إصلاحها، وهذا يتطلب فريقًا ملتزمًا يركز على الأهداف نفسها".
خطط التغيير
كما كشفت الصحيفة عن خطط لإعادة هيكلة وزارة الخارجية الأمريكية، بعدما قام فريق ترامب باختيار أكثر من 20 "مسؤولًا كبيرًا في المكاتب" لتولي مختلف الأقسام التي ستشغر مناصبها القيادية.
ومن اللافت أن العديد من هؤلاء المسؤولين سبق لهم العمل في مناصب رئيسية في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي خلال الولاية الأولى لترامب، وبعضهم سيعود من التقاعد خصيصًا لهذا الغرض.
ومن التعيينات البارزة التي كشفت عنها الصحيفة هي ليزا كينا، التي ستجمع بين منصبين مهمين، وهما رئاسة مكتب الاستخبارات والبحوث في وزارة الخارجية، ومنصب وكيل الوزارة المؤقت للشؤون السياسية.
وتعتبر "كينا" من الوجوه المألوفة في الوزارة، حيث عملت سابقًا كسكرتير تنفيذي لوزير الخارجية السابق مايك بومبيو.
ووصف أحد المسؤولين المنصبين اللذين ستتولاهما "كينا" بأنهما "وظيفتان بدوام كامل"، ما يعكس حجم المسؤوليات التي ستضطلع بها في المرحلة المقبلة.
تحديات وتوجهات مستقبلية
يأتي هذا التحول الكبير في وزارة الخارجية في وقت يواجه فيه النظام الدولي تحديات غير مسبوقة، وقد عبّر السيناتور ماركو روبيو، مرشح ترامب لمنصب وزير الخارجية، عن رؤيته لمستقبل الوزارة خلال جلسة استماع تأكيد تعيينه الأسبوع الماضي، حيث تعهد بإعادة الوزارة إلى مركز صنع القرار السياسي الأمريكي بعد ما وصفه بتراجع نفوذها خلال العقدين الماضيين.
وفي إشارة إلى التوجهات المستقبلية للإدارة الجديدة، حذّر النائب الجمهوري بريان ماست، كبير الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، من أن هناك نية للتعامل بحزم مع ما وصفهم بالبيروقراطيين "المستيقظين" في الوزارة.
وقال "ماست" إن أي شخص "يدعّم بشكل خبيث أجندة راديكالية.. يجب أن يدرك أننا سنبحث عنهم، وسنسعى لخلق صلاحيات لضمان عدم استمرار وجودهم في وزارة الخارجية."
وتعكس هذه التطورات المتسارعة في وزارة الخارجية الأمريكية، بحسب ما تشير الصحيفة، عزم إدارة ترامب الثانية على إحداث تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية الأمريكية، مع التركيز بشكل خاص على تنفيذ أجندة "أمريكا أولًا" التي تمثل حجر الزاوية في رؤيته للسياسة الخارجية.