"تحت ظلال الأرز" عنوان لفيلم سينمائي لبناني صامت، شهد الظهور الأول للفنانة والمنتجة آسيا داغر عام 1922، مهّد الطريق أمامها لتكون واحدة من أبرز رائدات السينما المصرية والعربية، والفيلم مأخوذ عن رواية بعنوان "تحت ظلال الزيزفون" للروائي الفرنسي ألفونس كار، وعرّبها مصطفى لطفي المنفلوطي في "ماجدولين".
مشاعر متناقضة بين الحب والخيانة والوفاء، تناولها فيلم "تحت ظلال الأرز"، ودور صعب جسّدته آسيا داغر التي تحل ذكرى وفاتها اليوم 12 يناير، ففي وقوفها الأول أمام الكاميرا وجدت نفسها مُطالبة بأداء دور لفتاة تربطها علاقة حب بشاب لكنها تتركه من أجل صديقه الثري، ثم تصبح أرملة فقيرة لتقرر العودة إلى حبها الأول، ومع نجاح الفنانة اللبنانية في الدور لفتت الأنظار لها بشدة، حتى قررت ابنة بلدة تنورين شمال لبنان الذهاب إلى مصر، لتكون على موعد مع شهرة لا تتوقف عند النجاح الجماهيري والنقدي فقط، بل تترك تأثيرًا ليس عاديًا في السينما العربية.
من بلاد الأرز جاءت الفنانة والمنتجة آسيا داغر إلى مصر، لتشارك بدور في الفيلم القصير الصامت "نداء الله" لم يُقدّر لها النجاح، لكن خطواتها لم تقف لتواصل المسيرة في أول فيلم روائي طويل مصري صامت، بعنوان "ليلى" عام 1927، ليُجاور اسمها الرائدة في مجال السينما الفنانة والمنتجة عزيزة أمير، وتصدّر اسمها الملصقات الدعائية لأفلام معظمها رومانسية أو درامية تعتمد على ما يُعرف بالحدوتة السينمائية، خالفتها في فيلمها ذو الصبغة التاريخية "شجرة الدر" الصادر عام 1935، إذ دارت أحداثه في فترة القرن الـ13 الميلادي، وجسّدت فيه دور الملكة شجرة الدر التي بدأت حياتها جارية تركية حتى وصلت إلى تولي عرش مصر لمدة 80 يومًا.
سينما آسيا داغر تطورت إلى مرحلة أخرى عندما دخلت مجال الإنتاج السينمائي – مثل غيرها من الرائدات - في الأربعينيات من القرن الماضي، لنرى شغفًا خالصًا بتقديم موضوعات مختلفة، مثلما نرى في فيلم "معلهش يا زهر" بطولة زكي رستم وشادية وكارم محمود، وأيضًا عندما عادت إلى استلهام الروايات الأدبية العالمية الشهيرة وحوّلت رواية Le Comte de Monte-Cristo للكاتب ألكسندر دوما في فيلم "أمير الانتقام" بطولة أنور وجدي عام 1950 تحت إدارة هنري بركات.
يحفل تاريخ آسيا بالعديد من الإنتاجات السينمائية المميزة التي تم إدراج الكثير منها في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، والتي توضح مدى حرصها على تنويع إنتاجها الدرامي والذهاب بعيدًا عن عالم القصص والحواديت لمناقشة قضايا وطنية وقومية، وأيضا التعرّض لأزمات الوطن، ومنها فيلم "رد قلبي" بطولة شكري سرحان، ومريم فخر الدين وصلاح ذو الفقار، الذي يحكي عن الظلم الذي كان يتعرض له المصريون تحت حكم الملكية، والأمل الذي دب في القلوب بعد إعلان تغيير نظام الحكم.
اسم آسيا الأصلي هو "ألماظة" وربما يكون هذا الاسم أصدق تعبير عن قيمة ما تركته للسينما المصرية والعربية، إذ يبقى فيلمها الأشهر "الناصر صلاح الدين" رمزًا لوفائها الكبير وعشقها للسينما، ففي وقت صدور الفيلم عام 1963، أنفقت شركتها "لوتس" أكبر ميزانية وقتها لفيلم سينمائي وبلغت 200 ألف جنيه، وتناول العمل الذي أخرجه يوسف شاهين قصة البطل صلاح الدين الأيوبي وانتصاره على الصليبيين وتحرير القدس في شريط سينمائي يعد أيقونة في تاريخ السينما العربية.
رحلت ألماظة داغر عن عالمنا عام 1986، لكن تأثيرها السينمائي ممتد وباقٍ، ففضلًا عن رصيدها الإبداعي، فقد حفّزت فنانين على دخول المجال وأصبحوا رموزًا بعد ذلك، ومنهم سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التي قالت في حوار صحفي إن ولعها بعالم السينما بدأ عندما اصطحبها والدها وعمرها 6 سنوات إلى السينما لمُشاهدة فيلم بطولة آسيا داغر وسحرها هذا العالم الفريد لتتمنى أن تصبح ممثلة.
كما أن الفنانة والمنتجة ماري كويني تعلّمت السينما على يد عميدة المنتجين صاحبة شركة لوتس، إذ قالت إنها صاحبة الفضل الأول في تكوينها الفني وشخصيتها، وكانت تشارك معها في أدوار البطلة الثانية في أفلامها حتى وصلت لصدارة البطولة ثم أسست شركة إنتاج فيما بعد.