وسط الجحيم المستعر في منطقة كورسك الروسية، انتشر بسرعة بين الجنود الأوكرانيين خبر مثير للغاية، بأن لديهم "سجينًا كوريًا شماليًا"، عُثر عليه بعد البقاء لأيام وسط الجليد، وكان بخير رغم شعوره بالصدمة.
وبينما أراد الجميع التقاط صورة شخصية معه، كان البريطانية في أوكرانيا يشير إلى أن القبض على اثنين من العسكريين الكوريين الشماليين الأسبوع الماضي "لحظة استثنائية في الحرب الدموية التي تخوضها روسيا وأوكرانيا".
وقالت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، نقلًا عن مراسلها: "اتخذ الكرملين خطوات متقنة لإخفاء وجود 12 ألف جندي من النخبة أرسلتهم بيونج يانج إلى روسيا في الخريف.. وفي معسكرات في الشرق الأقصى تم تزويدهم بمعدات روسية، وزي عسكري وبنادق ووثائق عسكرية مزورة".
مع هذا، رفض بعض الجنود الأوكرانيين فكرة أن الكوريين الشماليين "مقاتلون يائسون أرسلتهم روسيا في مهام انتحارية"، إذ نقل تقرير الصحيفة البريطانية شهادة أحد الجنود الأوكرانيين وصف الكوريين الشماليين بأنهم "منظمون ورماة ماهرون"، ودلّل على ذلك بقوله: "الروس يختبئون عندما يرون طائرات بدون طيار فيما يحاول الكوريون الشماليون إسقاطها.. إنهم يفهمون الحرب المشتركة، باستخدام المشاة والطائرات والدبابات".
في الوقت نفسه أشار قائد إحدى الوحدات الأوكرانية إلى أن الكوريين الشماليين يتكبدون خسائر فادحة، إذ قال: "نحن نقتلهم بطائراتنا بدون طيار.. إنهم يتحركون في مجموعات من 30 أو 40، أما الروس فهم أكثر حذرًا ويتحركون في مجموعات من اثنين أو ثلاثة".
فراغ معلوماتي
حسب "ذا جارديان"، في جمهورية توفا السيبيرية، حيث يتمتع السكان المحليون بمظهر آسيوي وينتمون إلى مجموعة عرقية تركية، تلقى الجنود الأجانب أسماء روسية مزيفة؛ حيث تم إلحاق الكوريين الشماليين بوحدات مشاة البحرية الروسية النظامية ووحدات فيلق الهجوم.
كما تم إرسالهم إلى الخطوط الأمامية على بُعد آلاف الكيلومترات إلى الغرب، حول بلدة "سودزا" الروسية المحتلة من قبل أوكرانيا.
الأسبوع الماضي، عثرت مجموعتان أوكرانيتان منفصلتان على الجنديين الكوريين الشماليين في ساحة المعركة، وكانا مصابين، وقد بقيا في البرد لعدة أيام، ويُظهر مقطع فيديو جنود مظليين يحملون أحدهما عبر غابة صنوبر.
بعدها، تم نقلهما إلى كييف، حيث استمعت إليهما وكالة الاستخبارات الأوكرانية، إلى جانب جهاز الاستخبارات الوطني في كوريا الجنوبية.
ووفق التقرير، انضم أحدهما وهو لي جونج نام، الرقيب الذي يبلغ من العمر 25 عامًا من بيونج يانج - إلى الجيش في عام 2016 وكان يخدم في فصيلة استطلاع قناصة، وهي جزء من الكتيبة الخامسة لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.
وكانت أول مهمة قتالية له في 8 يناير. وأصيب في الفك. وقُتل جميع الجنود الآخرين في مجموعته المكونة من سبعة أفراد.
ونشر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مقطع فيديو للجندي الثاني وهو يتحدث من سريره في المستشفى، وقال إنه ظل مستلقيًا في العراء "لثلاثة أو أربعة أو خمسة أيام"؛ وأضاف أن الاسم الموجود على بطاقة هويته العسكرية الروسية مزيف.
وأكد الجندي المصاب في ساقه الذي كان يعتقد أنه كان يشارك في تدريب: "لا أتذكره، لم يكن اسمي".
وبحسب زيلينسكي، فإن هؤلاء الجنود "نشأوا في فراغ معلوماتي، ولم يكونوا يعرفون شيئًا عن أوكرانيا"؛ وقال إن موسكو "تستخدمهم فقط لإطالة أمد حربها وتصعيدها".
مجموعة خبيثة
مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض بدا أن إحدى الرسائل الرئيسية التي وجهها زيلينسكي إلى حلفائه الغربيين هي أن أوكرانيا لم تعد تقاتل روسيا، بل "مجموعة خبيثة من الدول الاستبدادية"، حسب التقرير.
وأطلق الرئيس الأوكراني على هذه الدول اسم "CRINK" -الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية- حيث ترسل بيونج يانج جنودًا وصواريخ باليستية ومدافع هاوتزر وقذائف، وتقدم طهران طائرات مسيّرة انتحارية، وتبيع بكين مكونات إلكترونية دقيقة تستخدم في أنظمة الأسلحة، حسبما ذكر التقرير.
وتعتقد كييف أن تورط بيونج يانج المتزايد في أكبر صراع في أوروبا منذ عام 1945 له آثار على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخاصة بالنسبة لكوريا الجنوبية.
ووفقًا للاستخبارات العسكرية الأوكرانية (HUR)، فإن الكرملين يزود نظام كيم جونج أون بطوربيدات وتكنولوجيا لصنع الطائرات بدون طيار.
وتقول إن كوريا الشمالية حريصة على تلقي معلومات استخباراتية من الأقمار الصناعية العسكرية الروسية والصواريخ "جو-جو"؛ وفي الوقت نفسه، تكتسب قواتها خبرة قيمة.
وتنقل صحيفة "أوبزرفر" عن نائب رئيس هيئة الأركان العامة الأوكراني فاديم سكيبيتسكي إنهم (الكوريين الشماليين) يتعلمون من أخطائهم.
وأضاف: "في البداية، تقدموا في مجموعات كبيرة عبر الحقول الثلجية، ولم تفعل المجموعة التالية ذلك.. يتعلمون تكتيكات جديدة وكيفية القتال في بيئة الطائرات المسيّرة.. إن الذين سيبقون على قيد الحياة سيعودون إلى ديارهم كمدربين عسكريين".
وفي حديثه، قال سكايبيتسكي إن الكوريين الشماليين "متحمسون ومدفوعون أيديولوجيًا". ولم تؤثر الخسائر -300 قتيل و2700 جريح وفقًا لسيول- على الروح المعنوية "فجّر الجنود أنفسهم لتجنب القبض عليهم، واحتوى جهاز iPad تم استرجاعه من جندي كوري شمالي ميت على 67 جيجابايت من الدعاية".
وأوضح الجنرال: "نظر إلى زميلي. وبعد ساعتين قال: كوريا الشمالية هي أفضل دولة في العالم".