تشهد الساحة السياسية في دولة الاحتلال الإسرائيلي تطورات دراماتيكية في ظل إعلان وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن جفير استقالته من الحكومة، على خلفية الموافقة على صفقة مع حركة حماس الفلسطينية.
وأثارت هذه الخطوة ضجة واسعة وأعادت رسم خريطة التحالفات داخل الائتلاف الحاكم، مع بروز تساؤلات حول مستقبل حكومة نتنياهو، خاصة في ظل الخلافات الأيديولوجية داخل الائتلاف.
استقالة بن جفير
في خطوة اعتُبرت مفاجئة، أعلن الوزير المتطرف عن تقديم استقالته من الحكومة إذا تمت الموافقة على الصفقة مع حماس، ووصف بن جفير الاتفاق بـ"غير الشرعي"، مشيرًا إلى أنه يتضمن إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، ما قد يُعد نصرًا لحماس ويهدد أمن إسرائيل، وفق تعبيره.
وأكد "بن جفير"، في بيانٍ، أن "استقالته لن تعني انهيار الحكومة، إذ أوضح أنه لن يعمل على إسقاطها، كما أن الائتلاف الحاكم يمتلك الأغلبية حتى في غيابه".
ومع ذلك، أضاف أن حزبه "عوتسما يهوديت" سيعود للمشاركة في الحكومة إذا استؤنفت الحرب ضد حماس وحققت أهدافها.
محاولة ضغط
تعامل مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع تصريحات بن جفير بوصفها محاولة إعلامية للضغط على الحكومة دون نية حقيقية للاستقالة، وفق ما أفادت مصادر في حزب الليكود، نقلتها صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية.
ورغم أن مكتب نتنياهو أعرب عن رغبته في استمرار بن جفير بالحكومة، إلا أن التركيز الأكبر كان على رئيس حزب "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، باعتباره شخصية محورية في هذه الأزمة.
وأشارت مصادر لصحيفة "يديعوت أحرنوت" إلى أن مكتب نتنياهو يبذل جهودًا لتفكيك الخلافات مع سموتريتش، الذي اعتُبر موقفه نابعًا من قناعات أيديولوجية وليس مجرد تكتيك سياسي.
سموتريتش وتباين المواقف
على النقيض من بن جفير، أكد "سموتريش" أنه لن يستقيل من الحكومة في المرحلة الأولى من الصفقة، لكنه أبدى معارضته الشديدة لها، وطالب بضمانات مكتوبة لتحقيق الأهداف العسكرية والسياسية بعد تنفيذ الصفقة.
وأشار مراقبون إلى أن نتنياهو يحاول التوصل إلى تفاهمات مع سموتريتش، الذي يُنظر إليه باعتباره أكثر تأثيرًا واستقرارًا مقارنة ببن جفير، الذي وُصِف بأنه يثير الأزمات بشكل يومي.
أزمات يومية مع بن جفير
وقال مسؤول في الليكود إن "بن جفير" يخلق أزمات متكررة داخل الحكومة، مشيرًا إلى أن مطالبه تتنوع بين قضايا مثل قانون الأرباح المحاصرة، وإقالة المدعي العام، وزيادة رواتب رجال الشرطة، واعتبر هذا النهج دليلًا على غياب الأيديولوجية الواضحة في مواقفه، ما أثار استياء داخل صفوف الحكومة.
في ظل تصاعد الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية، أُفيد بأن الضغط السياسي أدى إلى تأجيل التصويت على الصفقة في مجلس الوزراء إلى يوم الاثنين بدلاً من الأحد، وأعربت الولايات المتحدة عن استيائها من هذا التأجيل، مؤكدة ضرورة تسريع الإجراءات لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
دعوة للتعبئة ضد الصفقة
في تصعيد جديد، دعا بن جفير أعضاء حزبه "عوتسما يهوديت" وأعضاء الكنيست من الأحزاب الأخرى إلى التصدي للصفقة، واصفًا إياها بأنها "صفقة استسلام" تمنح حماس مكافأة كبيرة.
وأشار "بن جفير" إلى أن الصفقة تُهدد إنجازات الحرب الأخيرة، كما أنها لا تحقق إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين، وأكد أن حزبه سيواصل دعم الحكومة من الخارج دون إسقاطها، لكنه لن يكون جزءًا من حكومة تُقر اتفاقاً يُضعِف أمن إسرائيل، على حد وصفه.
من يخلف بن جفير؟
في حال استقالة بن جفير، تتجه الأنظار إلى المرشحين المحتملين لخلافته، إذ ذكرت تقارير أن الوزير آفي ديختر هو أحد الأسماء المطروحة لتولي حقيبة الأمن القومي، كما برزت أسماء أخرى مثل جيلا جمليل ومي ريجيف ضمن المرشحين المحتملين.
وأبدى رئيس المعارضة يائير لابيد استعداده لتقديم الدعم اللازم للحكومة في حال تمرير الصفقة، وأكد أن إنقاذ المحتجزين يتجاوز الخلافات السياسية، مشيرًا إلى أن الحكومة تمتلك "شبكة أمان سياسية" من المعارضة في هذا الملف.
انتقادات حادة داخل إسرائيل
تستند الصفقة إلى مخطط تم اعتماده في مايو الماضي، يهدف إلى تحرير المحتجزين الإسرائيليين، لكنها تواجه الصفقة انتقادات حادة داخل إسرائيل بسبب الشروط المتفق عليها، والتي تشمل إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين.
وأوضح رئيس الأركان السابق جادي أيزنكوت أن الصفقة تهدف إلى تحقيق الأولوية الوطنية المتمثلة في تحرير المحتجزين، رغم التحديات الأمنية والسياسية التي ترافقها.