بين الاتفاق الحالي و"الرسالة" المتعنتة التي أرسلتها إسرائيل إلى الوسطاء قبل نحو ستة أشهر، حدث انعطاف ضخم من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ الذي تخلى عن العديد من النقاط الخلافية التي أصر عليها المتطرفون في حكومته، من أجل التوصل إلى حل يحقن الدماء قبل عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وحسب مسؤول أمني إسرائيلي كبير تحدث إلى صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، هناك شعور بالإحباط لدى المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال "نحن نعرف ما تم الاتفاق عليه، ونعرف ما كتب في المسودات السابقة التي كنا على وشك الانتهاء منها مع حماس. هذا يجعلك تشعر بالإحباط عندما تعتقد أنه كان بإمكاننا التوقيع على كل هذا منذ وقت طويل".
يضيف: "مع الفرح تأتي الفكرة الفظيعة والمؤلمة. أنه كان من الممكن إنقاذ هذا الدم".
وتؤكد الصحيفة أن مجموعة من التصريحات لكبار المسؤولين والوزراء الإسرائيليين تؤكد أن الضغوط السياسية منعت نتنياهو من المضي في الصفقة. وهو ما أكده وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير.
خطوط عريضة
رغم الإحاطات التي قدمها مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على مدى اليومين الماضيين، ثم في مختلف الرسائل والتغريدات لحكومته، يحاول مساعدو نتنياهو الترويج لإصرار إسرائيل على "مخطط 27 مايو"، حسب تعبير الصحيفة.
ولفترة معينة كان هذا هو "مخطط بايدن"، على الرغم من أن إسرائيل هي من اقترحته "لكن مكتب نتنياهو وجد بعد ذلك أنه من المناسب الادعاء بأنه جاء من اتجاه مختلف، حتى يُنظر إليه على أن إسرائيل تقبل بمطالب الولايات المتحدة".
وقال المسؤول: "وفقًا لهذه القصة، كما هي معروضة في النسخة الحالية، عرضت إسرائيل الخطوط العريضة، ورفضت حماس أو لم ترد. فقط لأن نتنياهو استمر في التعنت، ثم استسلمت حماس في النهاية لجميع المطالب. إنها قصة جميلة، إلا أنها ليست حقيقية؛ وفي الواقع مقلوبة تمامًا عن الواقع".
يضيف: "ما حدث بالفعل هو أن إسرائيل وحماس صاغتا الخطوط العريضة للاتفاق وكانا على وشك التوقيع عليه. ثم أجبر نتنياهو فريق التفاوض على وضع "رسالة التوضيح" على الطاولة".
لعبة المحتجزين
مع الفرحة التي غمرت دولة الاحتلال بعد إعلان إتمام الصفقة، بدأت الأقاويل تتناثر في أوساط السياسة والمجتمع الإسرائيلي حول الخديعة التي مارستها الحكومة مع عائلات المحتجزين، وحشد الجمهور ضدهم، مع الإيهام بأن حركة حماس هي المتعنتة وترفض القيام بالتبادل.
يقول التقرير: "حاولوا تبرير عدم إتمام الصفقة بالقول إن حماس لا تريدها، وأن السنوار لا يريد أي صفقة، وأنه مهتم فقط بفوضى في الشرق الأوسط وكل شيء آخر بالنسبة له يمكن أن يذهب إلى الجحيم".
ورغم التصريحات في إسرائيل بأن "حماس لا تريد صفقة"، فإن حماس أرادت ذلك فعلاً، ولكن بشروطها، تمامًا كما أرادت إسرائيل بشروطها.
وحسب "يديعوت أحرنوت"، فبينما أرادت حماس صفقة واحدة كبيرة كل شيء مقابل كل شيء. كانت إسرائيل هي التي أصرت على بنية معقدة ومرهقة، محكوم عليها بالانهيار والانفجار، كما في الصفقة الأولى التي انفجرت".
تعقيد متعمد
يفسر التقرير الرغبة الإسرائيلية في تعقيد المفاوضات "لأن هذه هي القيود الأساسية التي أملت على الفريق المفاوض الإسرائيلي. صفقة على مراحل، وليس صفقة شاملة".
يقول: "بالنسبة للجزء الثاني الذي يتضمن إنهاء الحرب والانسحاب من غزة، فلن يتم إجراء أي نقاش إلا في المرحلة المقبلة -منتصف المرحلة الأولى وبهذه الطريقة سيتمكن نتنياهو من الغمز لشركائه من اليمين المتطرف الذين لم تكن لديهم نية لتجاوز المرحلة الأولى وسيعودون قريبًا للقتال".
ووسط هذا، يؤكد وزير المالية المتطرف يتسئيل سموتريش أن "الحرب يجب أن تكون مفضلة على حياة المختطفين". لأنه كان يرى أن زعيم حركة حماس الراحل يحيى السنوار كان منفتحًا على فكرة التوصل لصفقة "لهذا السبب بالتحديد رأى أنه يجب أن يستمر سحقه، وليذهب المحتجزون إلى الجحيم".
وقتها، وعلى الرغم من الطريقة الإيجابية التي استقبلت بها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية جهود الوسطاء من القاهرة والدوحة وواشنطن، إلا أن نتنياهو فرض في 27 يوليو "رسالة التوضيح" التي لم توضح إلا القليل وأضافت الكثير.
ورغم ذلك، زعم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان له في سبتمبر الماضي أنه "قبل جميع المقترحات، في حين رفضتها حماس جميعها".
وقال المسؤول الكبير إن "نتنياهو لم يستجب للاقتراح الأمريكي، لكنه وافق على الاقتراح الذي قدمه هو نفسه، أي إسرائيل".
وأضاف: "الأشياء التي قالها بن جفير ولم يكلف نتنياهو نفسه عناء نفيها، تُظهر أن حماس، في الواقع، كانت مرنة للغاية".