من المقرر أن ينتخب المشرعون اللبنانيون رئيسًا، غدًا الخميس، في مقياس حاسم لمدى قدرة حزب الله الضعيف على ممارسة نفوذه على سياسة البلاد، بعد تعرضها لحرب إسرائيلية مدمرة، وفق ما ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
ولم يكن للبنان رئيس منذ أكتوبر 2022، إذ ظل المنصب شاغرًا وسط انقسامات مريرة بين حزب الله ومنافسيه السياسيين. واتهم المنتقدون حزب الله -القوة السياسية والعسكرية المهيمنة في لبنان منذ فترة طويلة- بعرقلة الأغلبية البرلمانية المطلوبة للمشرعين لانتخاب رئيس للدولة في 12 محاولة سابقة، إلى جانب حلفائه.
ولكن ما إذا كانت الجماعة اللبنانية ستتمكن من الحفاظ على هذا الخنق، أصبح الآن موضع تساؤل بعد الهجوم الإسرائيلي، الذي دمر القدرات العسكرية لحزب الله وقيادته، بما في ذلك مقتل زعيمه حسن نصر الله.
ونقلت " فاينانشال تايمز" عن أمل سعد، الأكاديمية وخبيرة حزب الله: "كل منافسيهم يسيل لعابهم، ويفكرون: حسنًا، الآن يمكننا الوصول إليهم. يتعين على حزب الله أن يثبت أنه لا يزال قويًا".
وأكدت الصحيفة ضرورة انتخاب رئيس للبنان، محذرة أن المخاطر كبيرة، إذ أشرفت حكومة مؤقتة ذات صلاحيات محدودة على واحدة من أكثر الفترات اضطرابا في البلاد، بما في ذلك أزمة سياسية واقتصادية استمرت لسنوات. وأدت الحرب الوحشية مع إسرائيل، إلى تدمير مساحات واسعة من لبنان.
وقالت الصحيفة إن إنهاء الأزمة السياسية سيكون أمرًا بالغ الأهمية لفتح دعم المانحين لإعادة الإعمار ومعالجة الأزمة، مع قيام دول بما في ذلك الولايات المتحدة، في الأيام الأخيرة، بممارسة ضغوط لانتخاب رئيس سيكون أكثر صرامة مع حزب الله.
ولفتت الصحيفة إلى أن وقف إطلاق النار الهش الذي أنهى الأعمال العدائية، نوفمبر الماضي، مُعرض للخطر أيضًا، إذ ترتبط نتيجة تصويت، غدًا الخميس، بقدرة الدولة على إزالة أسلحة حزب الله من جنوب لبنان، وضمان خروج قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ولم يتبق سوى أقل من ثلاثة أسابيع قبل انسحاب حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، في وقت تهدد إسرائيل بمواصلة العمل العسكري إذا لم يحدث ذلك. وواصلت إسرائيل شن الغارات الجوية وهدم المباني بلبنان، في انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار.
ورغم ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت الجلسة البرلمانية المقررة، غدًا الخميس، ستسفر عن نتيجة حاسمة، حسبما قال محللون وسياسيون لبنانيون. قال سياسي لبناني: "لقد بقي أقل من 24 ساعة قبل التصويت وما زلنا لا نعرف ما إذا كان سيحدث، أو ما ستكون النتيجة".
وبموجب نظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان، يجب أن يكون الرئيس مسيحيًا مارونيًا، يتم اختياره بالإجماع من قبل طبقة سياسية منقسمة بشدة لم تتمكن من الاتفاق على اسم منذ انتهاء ولاية الرئيس الأخير. يجب أن يكون رئيس الوزراء بدوره مسلمًا سنيًا، ورئيس مجلس النواب شيعيًا.
ومنذ ذلك الحين، كان هناك رجل واحد يُطرح باستمرار كمرشح رئاسي رائد، وهو قائد الجيش البالغ من العمر 60 عامًا جوزيف عون. ومع ذلك، رفض حزب الله وحلفاؤه ترشيحه لفترة طويلة، بسبب سمعته كرجل واشنطن.
ولكن الضغوط الدولية لاختياره تصاعدت، إذ أوضح المبعوثون الزائرون من الولايات المتحدة تفضيلهم لعون، ولوحوا بأموال إعادة الإعمار والتعافي بعد الحرب كوسيلة ضغط، وفقًا لدبلوماسيين وسياسيين لبنانيين مطلعين على المناقشات.
وقال سياسي لبناني بارز: "لقد تم توضيح الأمر بوضوح تام للبنانيين ولحزب الله، بأن الأموال لن تتدفق إلى البلاد لإعادة الإعمار إلا إذا تم انتخاب جوزيف عون"، وحسب "فاينانشال تايمز"، هذه الديناميكية تثقل كاهل حزب الله، الذي يحاول إعادة تجميع صفوفه بعد الحرب.
وقال المحللون إن استعداد حزب الله للتنازل عن الرئاسة سيكون مؤشرًا على كيفية رؤيته لدوره في المستقبل.
وأضافت أمل سعد، أن الرئاسة "هي أحد المجالات التي سيكون من الصعب للغاية على حزب الله فرض إرادته فيها".
وتابعت: "لا أعتقد أن حزب الله لديه نفس النوع من القدرة على لعب دور صانع الملوك كما كان في السابق. سيتعين عليه فقط الاكتفاء بمن يتم الاتفاق عليه، لكن حاول الحصول على أكبر قدر ممكن من التأكيدات من الرئيس بألا يكون اليد اليمنى للولايات المتحدة".
وأشار نواب حزب الله، هذا الأسبوع، إلى تخفيف محتمل لموقفهم تجاه عون، إذ قال المحللون إن هذا يرجع على الأرجح إلى مخاوف من أن إدارة ترامب القادمة قد تفرض مرشحًا أكثر عدائية بدلًا من ذلك.
وقال المحلل اللبناني علي الأمين: "إذا لم يتم انتخاب عون رئيسًا، فإن ذلك سيفتح الباب أمام المجهول".
ورغم ذلك، كانت المعارضة تحاول حشد التأييد لبديل. ومن بين الأسماء التي تم طرحها جهاد أزعور، وزير المالية الأسبق، الذي يشغل منصب مدير صندوق النقد الدولي.
وما يعكس الإحباط واسع النطاق، قال أندريه خوري، محاسب في حي الأشرفية ذي الأغلبية المسيحية ببيروت: "لم نعد نهتم بمن سيكون رئيسًا، فقط أعطونا رئيسًا، أعطونا حكومة، ودعنا نواصل عمل إعادة بناء البلاد. توقفوا عن احتجازنا جميعًا رهائن لألعاب القوة الخاصة بكم".