عندما ولدت عائشة القصاص، 28 نوفمبر 2024، كانت الظروف ضدها بالفعل، فقد أدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى نزوح والديها و4 من إخوتها الأكبر سنًا مرتين، وهم يعيشون الآن في مخيم مكتظ على طول الساحل داخل خيمة مصنوعة من القماش، وكان الشتاء بدأ.
وبسبب حرمانها من الطعام المغذي، عانت والدة عائشة من صعوبة إرضاع طفلتها، ومع ذلك، عندما أخذ الأب عدنان القصاص الطفلة إلى مستشفى قريب، 19 ديسمبر، لإجراء فحص طبي، كانت عائشة تعاني من نقص الوزن، لكنها كانت تتمتع بصحة جيدة.
وانخفضت درجات الحرارة في تلك الليلة، وتوفيت عائشة في الصباح، وتحول جسدها إلى "قطعة من الجليد"، كما قال عدنان. وحملها والدها إلى مستشفى ناصر في خان يونس، إذ أخبره أحد المتخصصين في الطب الشرعي، أنها استسلمت لمزيج من سوء التغذية والتعرض للبرد الشديد.
وتقول صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن عائشة واحدة من 7 أطفال رضع على الأقل في غزة لقوا حتفهم في البرد خلال الأسابيع الأخيرة، بينما يكافح أكثر من مليون نازح كثير منهم مرضى ويعانون من سوء التغذية للعثور على ملجأ.
وأدت القيود الإسرائيلية المستمرة على قوافل المساعدات، إلى عدم وصول الإمدادات الحيوية لمئات الآلاف من الأشخاص المعرضين للخطر قبل انخفاض درجات الحرارة، الشهر الماضي، حسبما تقول جماعات الإغاثة والأطباء، كما أدى القصف الإسرائيلي المتواصل والقيود المفروضة على الحركة إلى إبقاء العديد من النازحين محصورين في الساحل.
وقال إدوارد بيجبيدر، المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، إن الوفيات الأخيرة كانت يمكن الوقاية منها.
وأضاف في بيان، 26 ديسمبر 2024، بعد وفاة 4 أطفال بسبب انخفاض حرارة الجسم: "مع توقع انخفاض درجات الحرارة بشكل أكبر في الأيام المقبلة، فمن المتوقع بشكل مأساوي أن يفقد المزيد من الأطفال أرواحهم بسبب الظروف اللاإنسانية التي يعيشون فيها، التي لا توفر أي حماية من البرد"، وبعد أسبوع، توفي ثلاثة أطفال آخرين.
ويقول جون كاهلر، طبيب الأطفال والمؤسس المشارك لمنظمة "ميد جلوبال"، مقرها الولايات المتحدة، إن الأطفال الرضع معرضون بشكل خاص لمضاعفات صحية في الطقس البارد، ويزيد التلامس مع الأسطح الباردة والتعرض لفترات طويلة للبيئات الباردة والرطوبة من الملابس المبللة من تعرض الأطفال حديثي الولادة لانخفاض حرارة الجسم، ما قد يؤدي إلى فشل التمثيل الغذائي وتلف الأعضاء والوفاة.
ولم يتمكن يحيى البطران -42 عامًا- من شراء الملابس والبطانيات لتدفئة ابنيه التوأم حديثي الولادة، في خيمتهما على الشاطئ بدير البلح، وشاهد كيف بدأت أجسادهما ترتجف وشفاههما تتحول إلى اللون الأزرق، وفي 29 ديسمبر، قال البطران إنه سارع بنقل أحد طفليه إلى مستشفى شهداء الأقصى، لكن فات الأوان.
وأدى اجتياج جيش الاحتلال لرفح الفلسطينية جنوب غزة، مايو الماضي، إلى دفع مئات الآلاف من الناس إلى النزوح نحو أجزاء من وسط غزة التي كانت مكتظة بالفعل بالنازحين. وأدت عمليات القصف الإسرائيلي المكثف وأوامر الإخلاء العسكرية إلى توجيه السكان نحو "منطقة إنسانية" حددها الاحتلال في المواصي، وهي شريط ضيق من الأرض على طول الساحل، وفي أجزاء من دير البلح إلى الشمال.
وأقامت العائلات خيامًا مؤقتة هناك، مكتظة في ظروف غير صحية ودون أي بنية أساسية. ونزحت معظم العائلات عدة مرات، في كثير من الأحيان تحت نيران القصف، ما لم يترك لهم سوى القليل من الوقت لحزم البطانيات والأحذية وملابس الشتاء.
وبينما انخفضت درجات الحرارة في الأسابيع الأخيرة إلى ما بين 23 و50 درجة في الليل. يتجول الأطفال بلا أحذية أو ملابس شتوية في الشوارع المليئة بمياه الصرف الصحي المفتوحة، وفقًا لراشيل كومينجز، مسؤولة الاستجابة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة بغزة.
وبحسب الدفاع المدني في غزة، فإن الأمطار الغزيرة التي هطلت الأسبوع الماضي، أغرقت أكثر من 1500 خيمة، وقال الدفاع المدني في غزة، 30 ديسمبر، إن مئات الأشخاص اتصلوا به للحصول على دعم عاجل، لكن الحاجة هائلة للغاية؛ فقد قالت بعض الأسر التي فقدت خيامها بسبب عاصفة مطيرة، نوفمبر الماضي، لواشنطن بوست إنهم ما زالوا بلا مأوى.
ولم تتمكن المنظمات الإنسانية من تلبية سوى 23% من احتياجات غزة من المأوى هذا الخريف، وفقًا للمجلس النرويجي للاجئين، وقالت المنظمة في بيان صحفي، الشهر الماضي، إن أكثر من 900 ألف شخص يحتاجون إلى مساعدات في مجال المأوى.
ووفقًا لمنظمة أوكسفام الدولية، يعيش نصف مليون شخص في مناطق معرضة للفيضانات. وقالت المنظمة في بيان، الشهر الماضي: "في جميع أنحاء غزة، لا تزال عمليات تسليم المساعدات محظورة، ويتم إعاقتها عمدًا واستهدافها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي".
ووفق بيانات الأمم المتحدة، دخلت 76 شاحنة من الإمدادات إلى غزة يوميًا في المتوسط، ديسمبر، وهو أقل من سدس الرقم اليومي قبل الحرب.
وتعاني غزة أيضًا من أزمة جوع، ويقول عمال الإغاثة إنهم أجبروا على إعطاء الأولوية للغذاء على مواد الإيواء. في الفترة من 1 إلى 26 ديسمبر، وصلت 24 شاحنة فقط تحمل مواد إيواء إلى وسط وجنوب غزة، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.