يشهد الشارع السياسي الفرنسي تحولات جذرية في معسكر اليسار، إذ كشفت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية عن خطوات جريئة يتخذها كل من النائب فرانسوا رافين والنائب الأوروبي رافائيل جلوكسمان، في طريقهما نحو الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027، ويأتي هذا التحرك في وقت يشهد فيه اليسار الفرنسي إعادة تموضع وتحالفات جديدة، خاصة بعد الانقسامات الأخيرة التي شهدها معسكر اليسار المتشدد.
مسار جديد لليسار الفرنسي
في تطورٍ لافتٍ للأنظار، كشف النائب فرانسوا رافين عن طموحاته السياسية بشكل غير مسبوق في تصريحات نقلتها صحيفة ليبراسيون.
وأكد رافين، الذي يمثل منطقة السوم في البرلمان الفرنسي، أن "ترشحه للرئاسة في 2027 هو خيار مطروح على الطاولة"، مشيرًا إلى أن الطريق نحو المستقبل يتطلب "الحرية والجرأة للاستجابة لتطلعات الشعب اليساري العميقة".
وجاء هذا الإعلان متزامنًا مع حملته الترويجية لفيلمه الوثائقي الاجتماعي الجديد "إلى العمل"، الذي يسلط الضوء على الفجوة المتزايدة بين الطبقات العليا وباقي شرائح المجتمع الفرنسي.
ويمثل هذا التحول نقطة فارقة في مسيرة رافين السياسية، خاصة بعد إعادة انتخابه في منطقة السوم؛ رغم تراجعه بأكثر من ست نقاط في الجولة الأولى.
وتوج هذا التحول بإصدار كتابه "مساري: فرنسا بأكملها، لا نصفها" في سبتمبر 2024، الذي وثق فيه قطيعته النهائية مع جان لوك ميلانشون وحركة "فرنسا الأبية" التي كان عضوًا فيها منذ عام 2017.
وأثار هذا الكتاب ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية الفرنسية، حيث رحب به البعض كخطوة شجاعة نحو تجديد اليسار، بينما انتقده آخرون لتوقيته في ظل الحاجة إلى توحيد الصفوف لمواجهة اليمين المتطرف.
تحركات استراتيجية
وفي إطار استعداداته للمرحلة المقبلة، يقوم رافين بخطوات مدروسة لبناء قاعدته السياسية وتوسيع نطاق خبراته، إذ كشفت ليبراسيون عن تشكيله فريقًا من الخبراء لتعزيز معرفته في مختلف القضايا، خاصة تلك التي تحتاج إلى تعمق أكبر.
وفي ملف مكافحة المخدرات على سبيل المثال، يعمل رافين عن كثبٍ مع ضباط الشرطة وأفراد الأمن، معلنًا استعداده للدخول في مناقشات مع برونو ريتايو حول هذه القضية.
وعلى صعيد القاعدة الشعبية، حقق رافين نجاحًا ملحوظًا، حيث وصل عدد المسجلين في موقعه الإلكتروني إلى 400 ألف شخص.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجهه حاليًا هو افتقاره إلى هيكل حزبي قوي بعد انفصاله عن "فرنسا المتمردة".
ورغم قيادته لحزب "بيكاردي ديبو" المحلي، إلا أنه يدرك أن بناء جهاز سياسي قوي يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين.
صعود نجم جديد
على الجانب الآخر من المشهد اليساري، يبرز اسم رافائيل جلوكسمان كمنافس محتمل في السباق الرئاسي القادم.
ورغم تصريحه الأخير على إذاعة "فرانس إنتر" بأن "الوقت ليس مناسبًا للحديث عن انتخابات 2027"، إلا أن تحركاته السياسية الأخيرة تشير إلى اهتمامه المتزايد بالشأن الوطني، بعد أن كان تركيزه منصبًا على القضايا الأوروبية في بداية مسيرته السياسية.
وشهدت حركته "الميدان العام"، التي أسسها عام 2018، نموًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، حيث ارتفع عدد أعضائها من 1,500 قبل الانتخابات الأوروبية إلى 11,000 عضو حاليًا.
كما نجح في تنظيم أول مؤتمر للحركة في أكتوبر الماضي في مدينة لا ريول بمنطقة جيروند، وسيفتتح قريبًا مقرًا جديدًا في شارع سان مور بالدائرة العاشرة في باريس.
ويتمتع جلوكسمان بدعم شخصيات سياسية بارزة، خاصة من الحزب الاشتراكي، مثل رئيسة منطقة أوكسيتاني كارول ديلجا وعمدة سان أوين كريم بوعمران.
لكنه يدرك أن نجاح أي مشروع رئاسي، يتطلب شبكة قوية من الدعم المحلي، ولذلك يسعى حاليًا لتشجيع العديد من رؤساء البلديات للانضمام إلى حركته.
كما يهدف إلى تجديد الدماء في الحركة وتقديم جيل جديد من القيادات السياسية.
آفاق ومستقبل اليسار الفرنسي
يأتي هذا الحراك السياسي في وقت حساس تشهد فيه فرنسا تحولات عميقة في المشهد السياسي، مع إعلان شخصيات بارزة مثل إدوار فيليب ومارين لوبان نيتهما الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويسعى كل من رافين وجلوكسمان إلى تقديم رؤية جديدة لليسار الفرنسي، تتجاوز الانقسامات التقليدية وتستجيب لتحديات المرحلة الراهنة.
ويواجه كلاهما تحديات كبيرة في هذا المسار، فبينما يحتاج رافين إلى بناء هيكل حزبي قوي يدعم طموحاته الرئاسية، يسعى جلوكسمان إلى توسيع قاعدته الشعبية خارج باريس والوصول إلى المناطق العمالية والريفية.