الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

نهاية حقبة "فرانس أفريك".. ساحل العاج تنضم إلى قائمة انسحاب قوات فرنسا

  • مشاركة :
post-title
صورة أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في تطور يعيد رسم خريطة النفوذ الاستعماري في القارة الإفريقية، أعلنت ساحل العاج سحب القوات الفرنسية من أراضيها هذا الشهر، معلنة بذلك نهاية حقبة من الوجود العسكري الفرنسي استمرت لعقود في البلد الواقع في غرب إفريقيا.

وكشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن تفاصيل هذا التحول الاستراتيجي الذي يمثل ضربة جديدة للنفوذ الفرنسي في مستعمراتها السابقة، في وقت تتزايد فيه المشاعر المناهضة للوجود الغربي في القارة السمراء.

قرار تاريخي وتحول استراتيجي

في مفاجأة لم تكن متوقعة على المستوى الدولي، أعلن الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، في خطابه بمناسبة العام الجديد، عن بدء انسحاب القوات الفرنسية من قاعدتها العسكرية في أبيدجان، العاصمة الاقتصادية للبلاد.

وأوضحت "فايننشال تايمز" أن القرار يأتي في إطار خطة شاملة لتحديث القوات المسلحة الإيفوارية، إذ أكد واتارا في خطابه قائلًا: "يمكننا أن نفخر بجيشنا الذي تم تحديثه بشكل فعّال.. وفي هذا السياق، قررنا الانسحاب المنظم والمتفق عليه للقوات الفرنسية من ساحل العاج".

ويشمل الانسحاب تسليم كتيبة مشاة عسكرية فرنسية كاملة إلى نظيرتها الإيفوارية، في خطوة تعكس ثقة متزايدة في القدرات العسكرية المحلية.

تحولات جيوسياسية وحسابات داخلية

يكتسب قرار سحب القوات الفرنسية أهمية خاصة نظرًا للعلاقات التاريخية الوثيقة بين ساحل العاج وفرنسا، إذ طالما اعتُبر "واتارا" أحد أقوى حلفاء باريس في غرب إفريقيا.

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن هذا التحول قد يكون مدفوعًا بعوامل سياسية داخلية، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في أكتوبر المقبل، إذ يُتوقع أن يسعى واتارا للفوز بفترة رئاسية رابعة.

ويبدو أن الرئيس الإيفواري يحاول موازنة علاقاته الدولية مع المطالب الشعبية المتزايدة، خاصة بين فئة الشباب الذين يتبنون مواقف متشككة تجاه النفوذ الفرنسي في المنطقة.

موجة الانسحاب الفرنسي من إفريقيا

لا يمكن فصل قرار ساحل العاج عن سياق أوسع من التحولات الإقليمية، إذ شهدت السنوات الأخيرة موجة متتالية من الانسحابات الفرنسية من دول الساحل الإفريقي.

ولفتت "فايننشال تايمز" إلى أن فرنسا اضطرت للخروج من مالي وبوركينا فاسو والنيجر تحت ضغط حكومات عسكرية معادية لوجودها، في حين أعلنت تشاد مؤخرًا إنهاء اتفاقيتها العسكرية مع باريس.

وفي السنغال، أعلن الرئيس باسيرو ديوماي فاي عزمه إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في بلاده خلال العام الجاري، في إشارة واضحة إلى القواعد العسكرية الفرنسية.

انعكاسات على النفوذ الغربي والتوجه نحو روسيا

يمثل انسحاب القوات الفرنسية من ساحل العاج، والذي يشمل نحو 600 جندي، جزءًا من تقليص أوسع للوجود العسكري الفرنسي في المنطقة.

وأوضحت "فايننشال تايمز" أن فرنسا ستسحب ما مجموعه 1000 جندي من ساحل العاج والسنغال، تاركة وراءها وجودًا محدودًا في الجابون وقاعدة عسكرية تضم 1500 جندي في جيبوتي.

وامتد تأثير هذه التحولات إلى القوى الغربية الأخرى، إذ اضطرت الولايات المتحدة إلى سحب قواتها من النيجر والتخلي عن قاعدة للطائرات بدون طيار تكلفت 100 مليون دولار.

وفي المقابل، تشهد المنطقة تزايدًا في النفوذ الروسي، مع توجه العديد من الدول نحو موسكو للتعاون العسكري، بما في ذلك الاستعانة بشركات عسكرية خاصة مثل مجموعة فاجنر.

مستقبل العلاقات الفرنسية الإفريقية

رغم عدم صدور رد رسمي فوري من القوات المسلحة الفرنسية على إعلان ساحل العاج، إلا أن الرئيس إيمانويل ماكرون كان اعترف في وقت سابق بضرورة إعادة صياغة العلاقات الفرنسية الإفريقية.

ونقلت "فايننشال تايمز" عن ماكرون قوله في خطاب حول السياسة الدفاعية الفرنسية: "نحن لا نتخلى عن مسؤولياتنا، بل نبني شراكة متواضعة وصارمة وطويلة الأمد".

ويمثل هذا التصريح اعترافًا ضمنيًا بنهاية حقبة "فرانس أفريك"، السياسة الاستعمارية التي جعلت من فرنسا القوة الخارجية الأكثر تأثيرًا في غرب ووسط إفريقيا لعقود طويلة.