الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

6 ساعات من الفوضى.. كواليس الانقلاب الفاشل في كوريا الجنوبية

  • مشاركة :
post-title
خطاب الرئيس الكوري الجنوبي لإعلان الاحكام العرفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في تطور دراماتيكي هزَّ المشهد السياسي في شرق آسيا، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" في تحقيق موسع عن تفاصيل مثيرة حول الساعات الست التي شهدت أخطر أزمة سياسية في كوريا الجنوبية منذ عقود، عندما أعلن الرئيس يون سوك يول الأحكام العرفية ليلة 3 ديسمبر الجاري، في خطوة أدت لاحقًا إلى عزله من منصبه.

خيوط المؤامرة

لم تكن الأحداث المثيرة التي شهدتها كوريا الجنوبية وليدة اللحظة، وأشارت "واشنطن بوست" إلى تخطيط استمر لشهور، إذ بدأت القصة في الصيف الماضي، عندما أطلق نواب المعارضة تحذيرات متكررة من نوايا "يون" إعلان الأحكام العرفية.

واستند هؤلاء النواب في تحذيراتهم إلى مؤشرات عديدة، أبرزها تعيين يون المفاجئ لصديق دراسته القديم كيم يونج هيون في منصب وزير الدفاع.

وكشفت الصحيفة عن شبكة معقدة من العلاقات المدرسية القديمة التي لعبت دورًا محوريًا في تشكيل دائرة صنع القرار، إذ إن الثلاثي الأقوى في نظام الأحكام العرفية "الرئيس، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية" كانوا جميعًا خريجي نفس المدرسة الثانوية المرموقة للبنين في سول.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فأيضًا جميع القادة العسكريين وقادة المخابرات المخولين بتنفيذ الأحكام العرفية كانوا من خريجي الأكاديمية العسكرية التي درس فيها وزير الدفاع، ما شكَّل حلقة متماسكة من الولاءات الشخصية.

هاجس التزوير

وفي تفاصيل كشفتها واشنطن بوست للمرة الأولى، بدا واضحًا أن هاجس تزوير الانتخابات سيطر على تفكير "يون"، إذ تبنى نظريات مؤامرة روَّج لها معلقون يمينيون متطرفون على يوتيوب، مدعين أن لجنة الانتخابات الوطنية تلاعبت بنتائج الانتخابات لصالح حزب المعارضة على مدى السنوات الأربع الماضية.

ورغم أن تحقيقًا شرطيًا مطولًا خلص إلى عدم وجود أي دليل يدعم هذه المزاعم، إلا أن يون ظل مقتنعًا بصحتها.

وفي الأول من ديسمبر، اجتمع أربعة من ضباط المخابرات العسكرية الحاليين والسابقين في مطعم خارج سول، حيث وضعوا خطة للسيطرة على لجنة الانتخابات.

وتضمنت الخطة، وفقًا لإفادة محامي أحد هؤلاء الضباط، دخول القوات إلى مقر اللجنة ونقل الموظفين إلى الطابق السفلي، باستخدام أربطة بلاستيكية وأقنعة إذا لزم الأمر، ثم فحص أجهزة الانتخابات بحثًا عن أي خروقات أمنية.

اقتحام الجمعية الوطنية
ليلة الفوضى

وفي مساء الثالث من ديسمبر، بدأت الأحداث تتسارع، ففي الساعة 8:40 مساءً، أبلغ يون رئيس وزرائه بنيته إعلان الأحكام العرفية.

وفي محاولة لإثنائه عن قراره، عقد مجلس الوزراء اجتماعًا طارئًا في الساعة 10:17 مساءً.

وكشفت سجلات وزارة الداخلية والأمن أن الاجتماع لم يكن له جدول أعمال، ولم يتم تدوين محاضر له.

وخلال الاجتماع، حذر الوزراء يون من التداعيات الاقتصادية والدبلوماسية المحتملة، لكنه رفض الاستماع إليهم.

وانتهى الاجتماع بعد خمس دقائق فقط، ليظهر "يون" على شاشات التلفزيون معلنًا فرض الأحكام العرفية.

وفي تفاصيل كشفت عنها "واشنطن بوست"، تم نشر أكثر من 1000 جندي، معظمهم من القوات الخاصة، في محيط الجمعية الوطنية، وحملت بعض الوحدات ذخيرة حية، رغم عدم توزيعها على الجنود في الموقع.

وفي مشهد أشبه بالأفلام السينمائية، اقتحمت القوات مقر لجنة الانتخابات قبل صدور المرسوم الرئاسي رسميًا، وصادرت هواتف الموظفين المناوبين ليلًا، وبدأت في تصوير أجهزة الانتخابات.

المواجهة الأخيرة

وفي ذروة الأحداث، تحول محيط الجمعية الوطنية إلى ساحة معركة حقيقية، إذ كشفت "واشنطن بوست" أن "يون" أجرى ست مكالمات هاتفية مع مفوض الشرطة في الساعات بين إعلان الأحكام العرفية والتصويت، مطالبًا إياه باعتقال النواب.

وعندما واجهت القوات صعوبة في دخول مبنى الجمعية الوطنية، اتصل "يون" بقادتهم وأمرهم بـ"كسر الباب والدخول، وسحب الناس من الداخل".

وفي مشهد فوضوي، ناقش بعض القادة العسكريين إمكانية إطلاق طلقات تحذيرية أو قطع الكهرباء، لكنهم قرروا أن ذلك سيكون مبالغًا فيه.

وكسرت القوات الخاصة النوافذ للدخول إلى البرلمان، وفي مفارقة استخدم بعض النواب هذه النوافذ المكسورة للتسلل إلى قاعة التصويت.

النهاية المدوية

وفي نهاية المطاف، فشلت محاولة يون في السيطرة على البرلمان، وتمكن النواب من إلغاء مرسومه بعد 155 دقيقة فقط من إصداره.

وبعد 11 يومًا من هذه المغامرة الكارثية، تم عزل يون من منصبه، ويواجه الآن تحقيقًا جنائيًا لتحديد ما إذا كانت أفعاله ترقى إلى مستوى التمرد، فيما تنظر المحكمة الدستورية في إقالته نهائيًا من منصبه.

ولم تتوقف تداعيات الأزمة عند يون، إذ تم عزل رئيس الوزراء هان دوك سو، الذي تولى منصب الرئيس المؤقت، وسط اتهامات من المعارضة بأنه كان يعرقل التعيينات القضائية في المحكمة الدستورية اللازمة لمواصلة عملية عزل يون.

وتولى تشوي سانج موك، نائب رئيس الوزراء ووزير المالية، رئاسة البلاد بالوكالة.

وهكذا، في 6 ساعات فقط، شهدت كوريا الجنوبية أخطر أزمة سياسية في تاريخها الحديث، في ليلة كشفت عن هشاشة الديمقراطية وقوة مؤسساتها في آن واحد، وفقًا لما خلص إليه تحقيق واشنطن بوست الاستقصائي.