شهدت بريطانيا خلال عام 2024 تحولات سياسية واجتماعية غير مسبوقة، تمثلت في تغيير القيادة السياسية لأول مرة منذ 14 عامًا، وأزمات صحية ضربت العائلة المالكة، واضطرابات اجتماعية هزَّت أركان المملكة.
في هذا التقرير، نستعرض أبرز الأحداث التي رسمت ملامح هذا العام الاستثنائي في تاريخ المملكة المتحدة.
السرطان في القصر الملكي
كان عام 2024 استثنائيًا بكل المقاييس للعائلة المالكة البريطانية، إذ بدأ بسلسلة من الأخبار المقلقة، ففي يناير، خضعت كيت ميدلتون، أميرة ويلز، لعملية جراحية في البطن، في حين تلقى الملك تشارلز علاجًا لتضخم البروستاتا.
لكن الصدمة الكبرى جاءت في فبراير مع إعلان إصابة الملك بالسرطان وبدء رحلته العلاجية، ما أثار قلقًا عميقًا في أوساط الشعب البريطاني حول مستقبل المؤسسة الملكية.
كما أفادت وسائل الإعلام، فإن الأزمة الصحية للعائلة المالكة بلغت ذروتها في مارس، عندما ظهرت كيت ميدلتون في رسالة مصورة مؤثرة أعلنت فيها خضوعها للعلاج الكيميائي، ما أنهى شهورًا من التكهنات ونظريات المؤامرة حول غيابها عن الأنظار، وأظهر جانبًا إنسانيًا غير مسبوق من العائلة المالكة في تعاملها مع الأزمات الصحية.
وفي سبتمبر، جاءت أنباء مطمئنة عن إتمام "كيت" علاجها الكيميائي وخططها للعودة إلى واجباتها الملكية، في خطوة أعادت الأمل للكثيرين.
نهاية عصر المحافظين
مثَّل عام 2024 نقطة تحول تاريخية في المشهد السياسي البريطاني، إذ شهدت الأشهر الخمسة الأولى من العام فترة حكم مضطربة لريشي سوناك، زعيم حزب المحافظين السابق، الذي واجه تحديات متعددة في إدارة البلاد.
وفي مايو، اتخذ سوناك قرارًا مصيريًا بإجراء انتخابات مبكرة في 4 يوليو، في محاولة منه لتجنب هزيمة أكبر في وقت لاحق.
وأظهرت نتائج الانتخابات تحولاً كبيرًا في المشهد السياسي البريطاني، إذ حقق حزب العمال بقيادة كير ستارمر فوزًا تاريخيًا، منهيًا 14 عامًا من حكم المحافظين.
لكن الانتقال إلى السلطة لم يكن سلسًا تمامًا، إذ واجهت حكومة ستارمر صعوبات كبيرة في الأشهر الثلاثة الأولى، ما استدعى إجراء تعديلات جوهرية في أكتوبر.
وكان من أبرز التغييرات تعيين مورجان ماكسويني رئيسًا للطاقم السياسي، في محاولة لتحسين أداء الحكومة.
اضطرابات اجتماعية
شهد صيف 2024 واحدة من أخطر الأزمات الاجتماعية في تاريخ بريطانيا الحديث، فهزت البلاد مأساة ساوثبورت، حيث قُتلت ثلاث فتيات صغيرات "بيبي كينج (6 سنوات)، وإلسي دوت ستانكومب (7 سنوات)، وأليس دا سيلفا أغيار (9 سنوات)" في هجوم.
وعلى الرغم من التجمع السلمي الأولي للتعبير عن الحزن، سرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف واسعة النطاق.
امتدت الاضطرابات إلى عشرات المدن البريطانية، مع استهداف خاص لمراكز اللجوء والفنادق التي تستضيف طالبي اللجوء.
وأدت هذه الأحداث إلى اعتقال أكثر من 1000 شخص، مع توجيه اتهامات وأحكام بالسجن للمئات، كما كشفت هذه الأحداث عن توترات اجتماعية عميقة في المجتمع البريطاني، وطرحت تساؤلات جدية حول التماسك الاجتماعي والتعددية الثقافية.
تحديات اقتصادية
شكَّل أكتوبر 2024 نقطة تحول أخرى في السياسة الاقتصادية البريطانية مع تقديم راشيل ريفز، أول امرأة تتولى منصب وزير المالية، لأول موازنة لحكومة العمال منذ 2010.
وتضمنت الموازنة زيادات ضريبية تجاوزت التوقعات، مع تخصيص موارد إضافية للخدمات الصحية الوطنية.
لكن أكثر القرارات إثارة للجدل كان التغيير في ضريبة الميراث الزراعي، ما أدى إلى احتجاجات غير مسبوقة شارك فيها أكثر من 10 آلاف مزارع وداعم في وايتهول.
هذه الاحتجاجات سلطت الضوء على التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة في موازنة الإصلاحات الاقتصادية مع المصالح المختلفة للقطاعات المتنوعة في المجتمع.
المستقبل وآفاق التغيير
مع دخول بريطانيا عام 2025، يواجه "ستارمر" تحديًا كبيرًا في ترجمة وعوده الانتخابية إلى واقع ملموس، وتشير التقديرات إلى أن نجاح حكومته سيعتمد بشكل أساسي على قدرتها على تحقيق تحسينات ملموسة في ثلاثة مجالات رئيسية، وهي مستويات المعيشة، والخدمات الصحية الوطنية، والوضع العام للبلاد.
كما أن فوز دونالد ترامب بفترة رئاسية ثانية في الولايات المتحدة يضيف تحديًا آخر للحكومة البريطانية، خاصة في المحافل متعددة الأطراف وعلى الصعيد الاقتصادي، وسيكون على ستارمر إيجاد توازن دقيق في إدارة العلاقات مع الحليف الأمريكي مع الحفاظ على المصالح البريطانية.