وصل دبلوماسيون أمريكيون رفيعو المستوى إلى العاصمة السورية دمشق، في أول تواصل رسمي مباشر منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنَّ الوفد الدبلوماسي عقد لقاءات مع قادة الفصائل والحكومة المؤقتة في البلاد حاليًا، كما سيبحث عن معلومات حول الصحفي الأمريكي المفقود أوستن تايس وغيره من المواطنين الأمريكيين.
المشهد السياسي الجديد في سوريا
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن الزيارة، التي تأتي في أعقاب التغيرات التي شهدتها سوريا مؤخرًا، تمثل تحولًا جذريًا في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، حيث انحصر الدور الأمريكي في السنوات الماضية على الجانب العسكري دون الدبلوماسي.
ويضم الوفد الدبلوماسي باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وروجر كارستنز، المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن، ودانيال روبنشتاين، المستشار الخاص الجديد لشؤون سوريا.
وتشير المعلومات التي نشرتها "نيويورك تايمز" إلى أن الدبلوماسيين الأمريكيين أجروا محادثات مكثفة مع مختلف الأطراف السورية، بما في ذلك ممثلي المجتمع المدني والناشطين وقادة المجتمعات المحلية، كما ستركز هذه المحادثات على استكشاف رؤية السوريين لمستقبل بلادهم، وسبل تقديم الدعم الأمريكي لتحقيق هذه الرؤية.
مبادئ المرحلة الانتقالية
وتأتي مناقشة "مبادئ المرحلة الانتقالية" التي تم التوافق عليها خلال اجتماع العقبة مؤخرًا، في صلب المباحثات، إذ تولي الإدارة الأمريكية اهتمامًا خاصًا بالحوار مع هيئة تحرير الشام، القوة العسكرية الأبرز في المشهد السوري الراهن.
وأكد أحمد الشرع، القائد العام لإدارة العمليات العسكرية في سوريا، في تصريحات سابقة التزام إدارته بعملية سياسية شاملة تضمن حقوق جميع المكونات السورية، بما في ذلك الأقليات الدينية.
وفي هذا السياق، نقلت "نيويورك تايمز" عن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تصريحات أدلى بها خلال ندوة في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، جاء فيها: "وضعنا معًا مجموعة من المبادئ التي نتوقعها للمضي قدمًا في سوريا، وهذه المبادئ ضرورية لأي كيان ناشئ في سوريا يسعى للحصول على الاعتراف والدعم من المجتمع الدولي.. كان هذا تمرينًا مفيدًا للغاية في تحديد هذه التوقعات والمبادئ التي وضعناها".
العلاقات وملف المفقودين
تكتسب العلاقة الأمريكية مع "هيئة تحرير الشام" أهمية خاصة في ملف البحث عن المواطنين الأمريكيين المفقودين في سوريا، وعلى رأسهم الصحفي أوستن تايس الذي اختفى في دمشق عام 2012.
وأظهرت الهيئة استعداداً للتعاون في هذا الملف، إذ تلقت من الجانب الأمريكي قائمة تضم أسماء مسؤولين سابقين في النظام السوري قد تكون لديهم معلومات عن مصير تايس.
ويعتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تايس لا يزال على قيد الحياة وموجودًا في سوريا.
آفاق التعاون المستقبلي
وفي تطور لافت للنظر، نقلت "نيويورك تايمز" عن روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا، دعوته إدارة بايدن إلى إعادة النظر في تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية.
واستند فورد في دعوته إلى الممارسات العملية للهيئة خلال إدارتها لمحافظة إدلب في السنوات الأخيرة، إذ أظهرت درجة ملحوظة من التسامح الديني، بما في ذلك السماح للمسيحيين بإعادة بناء كنائسهم.
ويأتي هذا الموقف في تناقض صارخ مع الممارسات السابقة لجبهة النصرة، السلف السابق للهيئة، التي صُنِّفت كمنظمة إرهابية من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما.
وتواجه إدارة بايدن تحديًا معقدًا في كيفية تطوير العلاقة مع القوى الجديدة في سوريا، خاصة في ظل الإرث التاريخي المعقد والتصنيفات السابقة، كما تشير الصحيفة الأمريكية.
ومع ذلك، فإن الزيارة الحالية للوفد الدبلوماسي الأمريكي تشير إلى رغبة واشنطن في الانخراط بشكل بناء في المشهد السوري الجديد، مع التركيز على ضمان الاستقرار والتعددية في سوريا المستقبل.