كشف تحقيق لصحيفة "ذا جارديان" البريطانية أنَّ شركة مملوكة لاثنين من كبار المانحين للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب جلبت -بشكل روتيني- العشرات من عمالها من المكسيك؛ للعمل في مستودعاتها بولاية ويسكونسن ومواقع أخرى، على الرغم من أنه لا يبدو أن لديهم تصريحًا للعمل في الولايات المتحدة.
وتستقدم شركة "يولين"، وهي شركة عملاقة متخصصة في المكاتب وتوريد الشحن، ويديرها المليارديران ليز وديك أويهلين، عمالها من المكسيك، الذين يستخدمون تأشيرات سياحية وتأشيرات مخصصة للموظفين الذين يدخلون الولايات المتحدة مؤقتًا لتلقي تدريب مهني، والمعروفة باسم تأشيرات B1.
ولكن بدلاً من أن يكون هؤلاء المكسيكيون جزءًا من برنامج تدريبي مخصص، زعم التحقيق أنهم يبقون في البلاد لمدة تتراوح بين شهر إلى ستة أشهر للعمل في مستودعات الشركة بالولايات المتحدة.
وبرز الأخوان أويهلين كقوة رئيسية في السياسة اليمينية الأمريكية، إذ أنفقا عشرات الملايين من الدولارات لدعم ترامب وغيره من السياسيين اليمينيين الذين دعوا إلى الترحيل الجماعي للمهاجرين، وكانا ثاني أكبر مانحين سياسيين في انتخابات هذا العام، إذ قدما أكثر من إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم.
الدعم المكوكي
داخل شركة "يولين"، التي تُقدر قيمتها بنحو 8 مليارات دولار، يُطلق على البرنامج الأمريكي المكسيكي اسم "الدعم المكوكي" الذي تم إطلاقه قبل نحو ثلاث سنوات، حسبما ذكرت مصادر لـ"ذا جارديان".
وتستند تقارير الصحيفة البريطانية إلى مقابلات مع مصادر ووثائق داخلية تشير إلى برنامج العمال، بما في ذلك القواعد الخاصة بأفراد الأسرة والضيوف الآخرين المسموح لهم بزيارة العمال.
وزعمت مصادر تحدثت إلى الصحيفة أن كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة، بما في ذلك ليز أويهلين، يعرفون عن دعم "النقل المكوكي" لم يتمكنوا من توظيف العاملين في مستودعاتهم، وخاصة في بنسلفانيا، ولذا لجأوا إلى المكسيك للحصول على القوى العاملة.
عند الحدود، هناك تفاهم ضمني لدى العمال المكسيكيين على أنه يتعين عليهم القول لمسؤولي الحدود إنَّهم يدخلون الولايات المتحدة لتلقي التدريب في شركة "يولين"؛ وذكرت إحدى الوثائق أنَّ موظفًا سيتلقى تدريبًا في مجال سلامة المستودعات، وفهم كيفية استخدام أجهزة الوحدة المثبتة على المركبات، وفهم كيفية تحديد مواقع المستودعات.
وتستخدم تأشيرات B1 في زيارات قصيرة الأجل، لا تزيد على ستة أشهر، لذلك فإن هؤلاء العمال لا يمكنهم المشاركة في عمل إنتاجي خلال تلك الفترة، لكن بمجرد دخول العمال المكسيكيين إلى الولايات المتحدة، فإنهم يعملون في نوبات عمل منتظمة في مستودعات الشركة مع نظرائهم الأمريكيين.
ووفق التحقيق، يتم دفع أجور العمال إلى حسابات في المكسيك، وعلى الرغم من حصولهم على بعض التعويضات الإضافية مقابل السفر إلى الولايات المتحدة والإقامة هناك، فإنهم يحصلون على أجور أقل بكثير من نظرائهم الأمريكيين، حسبما ذكرت مصادر لـ"ذا جارديان".
كما تدفع الشركة جميع تكاليف مغادرة عمالها المقيمين في المكسيك والسفر إلى مواقع المستودعات في الولايات المتحدة، بما في ذلك في ويسكونسن وألينتاون بولاية بنسلفانيا.
استغلال دولي
ونقلت "ذا جارديان" عن كريستين نيومان أورتيز، مديرة منظمة "صوتيات لا فرونتيرا" لحقوق المهاجرين والعمال في ولاية ويسكونسن، قولها "إنها طريقة لشركة يولين لخفض أجور العمال الأمريكيين، وفي نفس الوقت لا تدفع بشكل عادل للعمال المكسيكيين مقابل ما يكسبه زملاؤهم هنا مقابل نفس العمل بالضبط".
وأشارت إلى المفارقة المتمثلة في استفادة عائلة أويهلين على حساب المكسيكيين، حتى في الوقت الذي تدعم فيه مرشحًا رئاسيًا صار الرئيس المنتخب، والذي تعهد بترحيل المهاجرين، ويحتقرهم، ويريد حرمانهم من حق المواطنة بالولادة، مضيفة: "هذا يظهر السخرية حقًا، إنه نموذج للاستغلال الدولي للعمالة، وفي الوقت نفسه يتم استثمار الأموال في هذه الحملة الدعائية لمحاولة تحريض العمال ضد بعضهم البعض".
ولفتت للصحيفة البريطانية إلى أن المشاعر المعادية للهجرة تتناقض أيضًا مع الواقع الذي تواجهه الشركات الأمريكية، وهو أنها تواجه نقصًا حادًا في العمالة واعتمدت على عمال غير مسجلين لعقود من الزمن، وترى أنهم "يريدون الحفاظ على الهجرة، ولكن في ظل ظروف قمعية للغاية".
آل أويهلين
ليست هذه المرة الأولى التي تتصرف فيها عائلة أويهلين بطريقة تبدو متناقضة مع موقفهم اليميني المناهض للهجرة، إذ ذكر موقع "بروبابليكا" الاستقصائي في عام 2019 أنَّ العائلة سعت للحصول على تأشيرات خاصة للعمال الأجانب، حتى مع تنفيذ ترامب لأشد سياساته صرامة في التعامل مع الهجرة، وهو الأمر الذي دعمه ديك وليز.
بل رفعت الشركة دعوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية في ولاية إلينوي بعد أن رفضت إدارة ترامب عريضة عام 2018 لتوظيف مهندس برمجيات بدوام كامل من الهند.
وتُظهِر السجلات العامة وتقارير وسائل الإعلام أن آل أويهلين أصبحوا قوة رئيسية في السياسة الأمريكية بعد قرار Citizens United التاريخي، الذي قلب قانون تمويل الحملات الانتخابية رأسًا على عقب، ومكَّن الشركات ومجموعات المصالح الخاصة من إنفاق مبالغ غير محدودة من المال على الانتخابات، وهكذا تبرع ديك وليز أويهلين بملايين الدولارات لدعم السياسيين من اليمين، بما في ذلك ترامب وغيره من المرشحين.
وارتفع النفوذ السياسي للعائلة بشكل كبير جنبًا إلى جنب مع نمو شركتهم، التي حققت إيرادات بقيمة 8 مليارات دولار في عام 2024، ارتفاعًا من 7 مليارات دولار في عام 2023 و6.1 مليار دولار في عام 2022.
ووفقًا لإيداعات لجنة الانتخابات الفيدرالية، أنفق آل أويهلين ما لا يقل عن 130 مليون دولار خلال دورة انتخابات 2024 لدعم ترامب وغيره من الجمهوريين اليمينيين.
وفي أعقاب أعمال الشغب التي اندلعت في مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، كشفت محطة WBEZ في شيكاغو أن ديك أويهلين موَّل منظمة Tea Party Patriots، وهي المجموعة التي ساعدت في تنظيم احتجاج Stop the Steal الذي أتاح المجال للعنف.