في تطور يعمق الأزمة السياسية التي تعصف بأوروبا، سقطت الحكومة الألمانية مساء أمس الاثنين بعد خسارة المستشار أولاف شولتس تصويتاً حاسماً على الثقة في البرلمان. وفي هذا الصدد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن هذا التطور الخطير يأتي في توقيت بالغ الحساسية للقارة الأوروبية التي تواجه تحديات غير مسبوقة على المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية، كما يتزامن مع تصاعد حدة الحرب في أوكرانيا، وتزايد التهديدات الروسية ضد كييف وحلفائها، فضلاً عن التوترات المُتصاعدة مع الصين، والمخاوف من تداعيات عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض.
لحظة فارقة في تاريخ ألمانيا الحديث
شهد البرلمان الألماني لحظة استثنائية عندما صوت النواب بأغلبية ساحقة بلغت 394 صوتاً مقابل 207 أصوات، مع امتناع 116 نائباً عن التصويت، لحل الحكومة القائمة. وتنقل نيويورك تايمز عن محللين سياسيين قولهم إن هذا التصويت يمثل نقطة تحول في المشهد السياسي الألماني، إذ سيؤدي إلى إجراء رابع انتخابات مبكرة في تاريخ البلاد منذ تأسيس الدولة الحديثة قبل 75 عاماً. ومن المقرر إجراء الانتخابات في 23 فبراير المقبل، في خطوة غير مسبوقة تعكس عمق الأزمة السياسية التي تعصف بأكبر اقتصاد في أوروبا.
وجاء قرار حل البرلمان بعد أشهر من الخلافات المريرة داخل الائتلاف الحاكم الذي تصدع في نوفمبر الماضي، مما حرم شولتس من الأغلبية البرلمانية اللازمة لتمرير القوانين والموازنة.
أزمة متشعبة في قلب أوروبا
يأتي انهيار الحكومة الألمانية في وقت تواجه فيه أوروبا تحديات متعددة ومتداخلة، فبحسب نيويورك تايمز، تشهد القارة العجوز أزمة قيادة غير مسبوقة مع سقوط حكومة فرنسا، شريك ألمانيا في قيادة أوروبا، في وقت سابق من هذا الشهر.
ويواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضغوطاً متزايدة للاستقالة، في حين يقول إنه سيبقى في منصبه ويحاول إصلاح الانقسامات العميقة في حكومته بشأن موازنة عام 2025.
وتزداد الأزمة تعقيداً مع تصاعد التوترات مع روسيا، حيث يصعد الرئيس فلاديمير بوتين من تهديداته باستخدام الأسلحة النووية في ظل استمرار الحرب ضد أوكرانيا.
كما تواجه أوروبا تحديات في علاقاتها الاقتصادية مع الصين، التي تحولت إلى منافس قوي في العديد من الصناعات الحيوية.
معركة انتخابية وتحديات داخلية وخارجية
سيشهد المشهد السياسي الألماني معركة انتخابية محتدمة في ظل تنافس سبعة أحزاب رئيسية على مقاعد البرلمان، إذ كشفت الصحيفة الأمريكية أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الديمقراطيين المسيحيين المحافظين في وضع جيد للفوز بالمركز الأول، متقدمين بفارق كبير على الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة شولتس الذي لا يتجاوز تأييده 17% من نوايا التصويت.
ويواجه المستشار الحالي معركة صعبة لإقناع الناخبين بمنحه فرصة أخرى، في حين يبرز فريدريش ميرتس، زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي، كمرشح أوفر حظاً لتولي منصب المستشار، نظراً لتقدم حزبه الكبير في استطلاعات الرأي.
تحديات اقتصادية وأمنية
يعاني الاقتصاد الألماني من حالة ركود، حيث تجنب بصعوبة الدخول في ركود رسمي هذا الخريف.
وتنقل نيويورك تايمز عن محللين اقتصاديين قولهم إن الخلافات بين الأحزاب السياسية تتركز حول كيفية إنعاش الاقتصاد وموازنة الميزانية، مع جدل حاد حول زيادة الاقتراض الحكومي أو تطبيق المزيد من تدابير التقشف.
وعلى الصعيد الأمني، تواجه ألمانيا تحديات كبيرة في إعادة بناء قواتها المسلحة في مواجهة روسيا المتشددة وانتقادات ترامب للناتو.
وفي هذا السياق، يبرز موقف شولتس الحذر تجاه تسليح أوكرانيا، حيث أصبحت ألمانيا أكبر مانح أوروبي للأسلحة لكييف، لكنه يفضل الإشارة إلى قراره بعدم تصدير نظام صواريخ تاوروس بعيد المدى، الذي كان يمكن أن يستفز بوتين.
صعود اليمين المتطرف يعقد المشهد السياسي
تشير نيويورك تايمز إلى تنامي قوة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي تراقبه أجهزة الأمن الداخلي كتهديد للدستور، حيث يحظى بنحو 18% من نوايا التصويت.
وقد سجل الحزب، إلى جانب حزب يساري متطرف جديد هو تحالف "سارة فاجنكنشت"، أفضل نتائج له على الإطلاق في انتخابات الولايات الشرقية في سبتمبر الماضي.
ورغم تعهد جميع الأحزاب الرئيسية برفض التحالف معه، إلا أن صعوده يعقد عملية تشكيل ائتلاف حاكم مستقر في المستقبل.
وفي ظل هذا المشهد السياسي المنقسم، من غير المرجح أن يفوز أي حزب بأغلبية مطلقة، مما قد يؤدي إلى مفاوضات معقدة لتشكيل ائتلاف أكثر استقراراً من الائتلاف الفاشل.
مخاوف من فراغ سياسي يهدد استقرار أوروبا
تختتم الصحيفة بتحذير خبراء من خطورة الوضع الراهن على مستقبل الاتحاد الأوروبي، إذ تنقل عن يانا بوجليرين من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية قولها إن "التوقيت سيء للغاية للاتحاد الأوروبي - في الأساس، هذه الأزمات المتعددة تضرب الاتحاد في أسوأ وقت ممكن، لأن المحرك التقليدي للتكتل مشغول بنفسه"، في إشارة إلى ألمانيا وفرنسا.
وتشير التوقعات إلى أن حالة عدم اليقين السياسي قد تستمر لشهر أو أكثر، مع عدم تشكيل حكومة دائمة حتى يتفق الأطراف على ائتلاف، ربما في أبريل أو مايو المقبل، مما يترك أكبر اقتصاد في أوروبا في حالة من الشلل السياسي في وقت حرج للغاية.