في مشهد سياسي يعيد إلى الأذهان أجواء عام 2016، يجد الحزب الديمقراطي نفسه مجددًا في مفترق طرق بعد خسارة كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب، إذ بينما لا تزال تداعيات الهزيمة تلقي بظلالها على المشهد السياسي الأمريكي، بدأت التساؤلات تتصاعد حول هوية الشخصية التي ستقود الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2028، خاصة مع التأكد من أن ترامب لن يكون على بطاقة الاقتراع بسبب القيود الدستورية التي تمنعه من الترشح لفترة ثالثة.
إعادة تشكيل الهوية
كشفت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية عن حالة من الانقسام العميق داخل أروقة الحزب الديمقراطي حول مستقبل قيادته، فمن جهة تتعالى أصوات تطالب بتجديد شامل لدماء الحزب وضخ وجوه جديدة قادرة على استعادة ثقة الناخبين الأمريكيين، خاصة في الولايات المتأرجحة التي خسرها الحزب في الانتخابات الأخيرة.
وفي المقابل، يرى تيار آخر أن هاريس، التي حصدت 74 مليون صوتًا، تستحق فرصة ثانية للمنافسة على البيت الأبيض.
ونقلت الصحيفة عن استراتيجيين ديمقراطيين بارزين حالة الارتباك التي تسود المشهد، إذ قال أحدهم: "نحن اليوم في وضع مشابه لما كنا عليه في 2016، نشعر بالضياع وفقدان البوصلة، ولا نملك رؤية واضحة لما نريده في المستقبل"، ما يعكس حجم التحديات التي تواجه الحزب في محاولته لإعادة ترتيب أوراقه قبل المعركة القادمة.
خارطة المرشحين المحتملين
في خضم هذا المشهد المعقد، تبرز مجموعة من الأسماء كمرشحين محتملين لقيادة الحزب في 2028، وتتصدر هاريس المشهد بثقل تجربتها وخبرتها المكتسبة من إدارة حملة انتخابية بقيمة مليار دولار.
وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة إيمرسون ونشرته "ذا هيل"، تتقدم هاريس على منافسيها المحتملين في سباق 2028.
ويرى مؤيدوها أن الظروف التي أحاطت بترشحها في 2024، خاصة بعد انسحاب الرئيس الحالي جو بايدن في يوليو، لم تمنحها الفرصة الكاملة لتقديم رؤيتها الخاصة.
يبرز أيضًا حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم كمنافس قوي، إذ أظهر قدرة لافتة على مواجهة ترامب والجمهوريين.
وبدأ نيوسوم بالفعل في اتخاذ خطوات استباقية لمواجهة الإدارة الجديدة، داعيًا إلى جلسة خاصة للمجلس التشريعي في كاليفورنيا لحماية قيم الولاية في مواجهة سياسات ترامب المتوقعة.
ويصفه أحد الاستراتيجيين الديمقراطيين، في تصريحات لـ"ذا هيل"، بأنه "مقاتل يبحث عن المعركة، والحزب اليوم بحاجة إلى من يمنحه دفعة قوية."
تحديات النوع والجغرافيا
تواجه حاكمة ولاية ميتشيجان جريتشن ويتمر، إحدى أبرز المرشحات المحتملات، تحديًا مزدوجًا يتمثل في عامل النوع الاجتماعي والموقع الجغرافي.
فبعد هزيمتي هيلاري كلينتون وهاريس أمام ترامب، تتساءل كريستي سيتزر، الاستراتيجية الديمقراطية، في تصريحات لـ"ذا هيل"، عمّا إذا كان الحزب مستعد للمغامرة مجددًا بترشيح امرأة، إلا أن مؤيدي ويتمر يشيرون إلى نجاحها في إدارة الولاية وقدرتها على حشد الدعم المالي من خلال لجنة العمل السياسي الخاصة بها "فايت لايك هيل".
جيل جديد يطرق الأبواب
يمثل وزير النقل بيت بوتيجيج، البالغ من العمر 42 عامًا، والنائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز صاحبة الـ35 عامًا، الجيل الجديد من القيادات الديمقراطية.
ويصف الديمقراطيون بوتيجيج بأنه أفضل متحدث باسم الحزب منذ باراك أوباما، مع قدرة استثنائية على التواصل مع جمهور متنوع، بما في ذلك مشاهدي قناة "فوكس نيوز" المحافظة.
أما أوكاسيو كورتيز، فتتمتع بقدرة فريدة على التواصل مع جيل الشباب عبر منصات التواصل الاجتماعي والبودكاست.
لكن يرى بعض المحللين، وفقاً لـ"ذا هيل"، أن ارتباطها بالجناح اليساري للحزب قد يشكل تحديًا في حال سعيها لمنصب أعلى.
نظرة مستقبلية
مع اقتراب ولاية ترامب الثانية، وتوقع ترشح نائب الرئيس المنتخب جي دي فانس عن الحزب الجمهوري في 2028، يواجه الديمقراطيون تحديًا كبيراً في اختيار مرشحهم القادم.
ويؤكد المحللون في "ذا هيل" أن نجاح الحزب الديمقراطي سيعتمد على قدرته على تقديم رؤية جديدة تتجاوز سياسات المواجهة التقليدية وتخاطب هموم الناخبين في الولايات المتأرجحة، مع ضرورة إعادة بناء التحالفات التي أوصلت أوباما إلى البيت الأبيض مرتين.