بدأ كبار رواد صناعة التكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية في إظهار دعمهم المالي للرئيس المنتخب دونالد ترامب، في تحول يعكس تغيرًا جذريًا في المشهد السياسي الأمريكي، إذ بادر ثلاثة من أبرز عمالقة وادي السيليكون بتقديم تبرعات سخية لصندوق تنصيب الرئيس المنتخب، في خطوة تشير إلى مرحلة جديدة في العلاقة بين البيت الأبيض وعمالقة التكنولوجيا.
اصطفاف خلف ترامب
وأعلن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، عن تبرعه بمبلغ مليون دولار لصندوق تنصيب ترامب، في حين جاء هذا الإعلان ليضيف بعدًا جديدًا إلى سلسلة التبرعات التي بدأها كل من مارك زوكربيرج، مؤسس ورئيس شركة ميتا، وجيف بيزوس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة أمازون، واللذين تقدم كل منهما بتبرع مماثل، وفقًا لصحيفة "نيوزويك" الأمريكية.
وفي تصريح لافت للنظر نقلته نيوزويك، أكد متحدث باسم OpenAI أن تبرع ألتمان يأتي كمبادرة شخصية، حيث صرح ألتمان قائلًا: "سيقود الرئيس ترامب بلادنا في عصر الذكاء الاصطناعي، وأتطلع لدعم جهوده لضمان تفوق أمريكا في هذا المجال".
ولم تأت التحركات من قبل قادة التكنولوجيا من فراغ، إذ جاءت في سياق أوسع من التقارب بين ترامب وعالم التكنولوجيا، وخاصة مع تعيينه إيلون ماسك، مؤسس تسلا ومالك منصة إكس، لرئاسة إدارة الكفاءة الحكومية (DOGE) بالتعاون مع فيفيك راماسوامي، في إشارة إلى استراتيجية واضحة من قبل ترامب لدمج خبرات قادة التكنولوجيا في إدارته القادمة.
تحول المواقف وحسابات المصالح
كشف "نيوزويك" عن تحول جذري في موقف بعض قادة التكنولوجيا، وخاصة مارك زوكربيرج، الذي كان له تاريخ متوتر مع ترامب، إذ سبق لمؤسس ميتا وزوجته أن تبرعا بمبلغ 400 مليون دولار لدعم البنية التحتية للانتخابات خلال جائحة كورونا، وهو ما اعتبره الجمهوريون آنذاك محاولة مبطنة لدعم جو بايدن في انتخابات 2020.
غير أن تبرعه الحالي لصندوق تنصيب ترامب، يُشير إلى إعادة تموضع استراتيجي في المشهد السياسي الأمريكي.
أما جيف بيزوس، فقد أثار قراره بالتبرع لصندوق ترامب جدلًا واسعًا، حيث وصفت مجلة "ذا نيو ريبابلك" هذه الخطوة بأنها بمثابة "انحناء" أمام الرئيس المنتخب.
وزاد من حدة الجدل قراره المثير للانتقادات بمنع صحيفة "واشنطن بوست"، التي يملكها، من تأييد نائبة الرئيس كامالا هاريس، مبررًا ذلك بالحرص على تجنب "تصور التحيز".
هذا القرار قوبل بانتقادات حادة من قبل العديد من الشخصيات البارزة، بما في ذلك رئيس التحرير التنفيذي السابق للصحيفة، الذي وصف القرار بأنه "جبن" و"مقلق" و"ضعيف".
العلاقة بين السلطة والتكنولوجيا
وتقدم الدكتورة جوينيث إدواردز، أستاذة الإدارة الاستراتيجية المشاركة في كلية إدارة الأعمال بجامعة مونتريال، رؤية ثاقبة للمشهد، مؤكدة في تصريحات خاصة لنيوزويك أن "الأمريكيين صوتوا لصالح ترامب، والخطر المتصور من دعمه يبدو مجرد تصور".
وتضيف أن قادة التكنولوجيا يواجهون خيارًا استراتيجيًا، إما الانضمام إلى القافلة والمشاركة في اللعبة للاستفادة منها، أو التزام الصمت، مشيرة إلى أن "اتخاذ موقف ضد ترامب سيأتي دائمًا بمخاطر، خاصة أنه معزز بنتائج الانتخابات وحقيقة أن هذه فترته الرئاسية الأخيرة".
وفي هذا السياق، يبرز موقف مارك بينيوف، الرئيس التنفيذي لشركة Salesforce، الذي أعلن دعمه لترامب منذ فوزه في الانتخابات.
وفي مقابلة مع صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل"، وصف بينيوف نجاح ترامب في الانتخابات بأنه "فرصة لفصل جديد"، مضيفًا أنه "من المناسب أن نرغب في نجاح رئيسنا".
وتختتم إدواردز تحليلها بوصف دقيق للمرحلة المقبلة، مُشيرة إلى أن ترامب "رجل في مهمة" وأنه من المرجح أن يركز على إرثه واتخاذ خطوات جريئة لترسيخ سمعته وسمعة عائلته. وأكدت أن "مليارديرات التكنولوجيا ليس لديهم ما يخسرونه بالانضمام إلى قطار ترامب"، في إشارة إلى أن المرحلة القادمة قد تشهد تحالفًا غير مسبوق بين البيت الأبيض وعمالقة التكنولوجيا، ما قد يؤثر بشكل كبير على مستقبل الصناعة التكنولوجية في الولايات المتحدة والعالم.