يُخطط فريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب، لإحداث تغييرات جوهرية في هيكل النظام المصرفي الأمريكي، تتضمن احتمالات إلغاء أو دمج مؤسسات رقابية عريقة، في خطوة قد تمثل أكبر تحول في تاريخ النظام المالي الأمريكي منذ الكساد الكبير، وفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
خطط تثير المخاوف
كشفت الصحيفة الأمريكية أن فريق ترامب الانتقالي بدأ بالفعل في استكشاف مسارات؛ لتقليص أو دمج أو حتى إلغاء أهم الجهات الرقابية المصرفية في واشنطن.
وخلال المقابلات مع المرشحين المحتملين لقيادة الوكالات التنظيمية المصرفية، طرح مستشارو ترامب ومسؤولون من إدارة كفاءة الحكومة الجديدة تساؤلات جريئة حول إمكانية إلغاء المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع (FDIC)، وهي جهة تأسست في ثلاثينيات القرن الماضي استجابة لأزمة الكساد الكبير لحماية المودعين في البنوك الأمريكية. تقوم المؤسسة بتأمين الودائع المصرفية بحد أقصى 250 ألف دولار لكل مودع في كل بنك مؤمَّن؛ مما يضمن حماية أموال المودعين في حال تعثر البنك أو إفلاسه، إضافة إلى قيام المؤسسة بدور رقابي مهم على البنوك للتأكد من سلامة ممارساتها المالية وحماية النظام المصرفي الأمريكي. تُعتبر FDIC ركيزة أساسية في بناء الثقة في النظام المصرفي الأمريكي، حيث لم يفقد أي مودع أمواله المؤمنة منذ تأسيسها.
وتجاوز الأمر مجرد فكرة الإلغاء إلى بحث إمكانية دمج خدمات تأمين الودائع ضمن وزارة الخزانة الأمريكية، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ النظام المالي الأمريكي.
وأوضحت المصادر المطلعة للصحيفة أن النقاشات امتدت لتشمل إمكانية دمج أو إعادة هيكلة الجهات الرقابية المصرفية الفيدرالية الرئيسية الثلاث: المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع، مكتب مراقب العملة، والاحتياطي الفيدرالي.
وفي هذا السياق، برزت وثيقة "مشروع 2025" التي أعدتها مؤسسة هيريتيج ومسؤولون سابقون في إدارة ترامب، والتي تدعو إلى دمج هذه المؤسسات الرقابية مع الإدارة الوطنية لاتحادات الائتمان، رغم نفي ترامب ارتباطه المباشر بهذه الوثيقة.
تحديات وعقبات
يواجه هذا المشروع تحديات تشريعية وعملية كبيرة، إذ يؤكد الخبراء أن أي مقترح لإلغاء المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع أو أي وكالة أخرى سيتطلب موافقة الكونجرس.
وتشير الصحيفة إلى أنه رغم قيام رؤساء سابقين بإعادة تنظيم وإعادة تسمية إدارات، إلا أن واشنطن لم تشهد من قبل إغلاق وكالة رئيسية على مستوى مجلس الوزراء، كما أنها نادرًا ما أغلقت وكالات أخرى مثل المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع.
ونقلت الصحيفة عن شيلا باير، الرئيسة السابقة للمؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع، تأكيدها أن تبسيط التنظيم المالي أمر مطلوب، لكنه "صعب التحقيق للغاية".
وأضافت أن المصارف، رغم شكواها المستمرة، تفضل الوضع الراهن وتحرص على علاقاتها مع جهاتها الرقابية الخاصة، ما يجعل أي مقترح لإلغاء جهة رقابية مصرفية يواجه صعوبة في كسب دعم القطاع المصرفي نفسه.
تداعيات مُحتملة
تشير الصحيفة إلى أن هذه المقترحات تأتي في وقت حساس للنظام المصرفي الأمريكي، خاصة بعد أزمة البنوك التي شهدها العام الماضي والتي أدت إلى هروب جماعي للعملاء من البنوك الصغيرة إلى البنوك الكبرى التي تُعتبر "أكثر أمانًا".
وتثير هذه الخطط مخاوف جدية في القطاع المصرفي، إذ يُعتبر تأمين الودائع من الثوابت المقدسة في النظام المالي الأمريكي. كما يُحذر الخبراء من أن أي خطوة قد تقوض الثقة في نظام تأمين الودائع يمكن أن تؤدي إلى تداعيات خطيرة على القطاع المصرفي بأكمله.
وسلطت الصحيفة الضوء على اتخاذ البنوك موقفًا متناقضًا تجاه تعدد الجهات الرقابية. فمن ناحية، يرى البعض أن هذا التعدد يتيح لهم فرصة اختيار الجهة الرقابية الأقل تشددًا، لكنهم في الوقت نفسه يشتكون من تضارب الرسائل والقرارات التنظيمية.
وفي هذا السياق، يؤكد فرانك سورنتينو الثالث، الرئيس التنفيذي لبنك كونيكت ون في نيوجيرسي، أن النظام يحتاج إلى مزيد من التناغم بين الجهات الرقابية، لكنه يشدد على أهمية وجود جهات رقابية متعددة تفهم "حجم وتعقيد وتحديات المستقبل" للبنوك المختلفة.
ومع امتلاك الجمهوريين أغلبية ضئيلة في مجلسي الشيوخ والنواب العام المقبل، يبدو من غير المرجح الحصول على دعم ديمقراطي لإجراء تغييرات جذرية في النظام المصرفي.