في يوم السبت الموافق 7 ديسمبر 2024، شهدت غانا واحدة من أبرز المحطات في تاريخها السياسي، بإجراء الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن نتائج تعكس التحولات السياسية التي تمر بها غانا في الفترة الراهنة، وتَنافَس في هذه الانتخابات 12 مرشحًا للرئاسة، ولكن مرشح حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي (NDC) "جون ماهاما" ومرشح حزب المؤتمر الوطني الجديد (NPP) "محمدو بوميا"، كانا الأكثر تنافُسًا. وعقب فرز الأصوات، تم الإعلان عن فوز ماهاما بنسبة 56.55% من الأصوات ليعيده إلى رئاسة غانا بعد هزيمته في انتخابات عام 2020 التي أمام أكوفو أدو بنسبة 47%، وحصل بوميا على 41.61% من الأصوات مما وضعه في المركز الثاني. وتأتي هذه الانتخابات في توقيت حَرِج بالنسبة لغانا التي تعاني من تحديات اقتصادية، وباتت محورًا للنقاشات السياسية الحادة في البلاد، كما تُقَدِم هذه الانتخابات فرصة لفهم الكيفية التي يري الناخبون في غانا المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد، وحجم التحديات التي سيواجهها ماهاما خلال ولايته الرئاسية الثانية التي ستبدأ رسميًا في 7 يناير 2025.
تأسيسًا على ما تَقَدَم، يسعى التحليل لتقديم قراءة عامة حول نتائج الانتخابات الرئاسية الغانية 2024.
نتائج الانتخابات
أعلنت مفوضية الانتخابات في غانا نتائج الانتخابات، والتي عكست العديد من الأبعاد، وتتمثل أهمها في:
(*) انخفاض نسبة المشاركة السياسية نسبيًا: شهدت الانتخابات الرئاسية في غانا لعام 2024 نسبة إقبال متواضعة بلغت 60.9% من إجمالي الناخبين المسجلين البالغ عددهم 18,774,159 ناخبًا. وفقًا للنتائج التي تم الإعلان عنها في 267 دائرة انتخابية، وبلغ إجمالي الأصوات الصحيحة المدلى بها 11,191,422 صوتًا، في حين تم تسجيل 239,109 أصوات مرفوضة. وبذلك، تراوحت نسبة المشاركة بين الناخبين المسجلين 60.9%، مما يعكس تراجُعًا طفيفًا في الإقبال مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية السابقة. وتشير هذه النسبة إلى مستوى متوسط من التحفيز السياسي والرغبة في المشاركة بين الناخبين، رغم التحديات الاقتصادية التي كانت تشهدها البلاد في تلك الفترة، وهو ما يعكس حالة من الإحباط العام بين الناخبين الذين شعروا بأن هناك عجزًا في القيادة على مدار السنوات الماضية.
(*) عودة الحزب المُعارِض إلى السلطة: يُمثل فوز ماهاما بالانتخابات بنسبة 56.55% بعدد أصوات يصل إلى 6,328,397 صوتًا، عودة قوية له ولحزب المؤتمر الوطني الديمقراطي (NDC) بعد فترة من الانتقادات على خلفية حُكم حزب المؤتمر الوطني الجديد (NPP) بقيادة الرئيس السابق "أكوفو أدو"، ويُعَد هذا الفوز إشارة إلى أن الناخبين الغانيين قد منحوا الأولوية للتغيير في ظل الأوضاع الاقتصادية الحادة، مما يُظهِر رغبة في عودة السياسات السائدة خلال فترة حكم ماهاما من 2012 حتى 2017، وبات من الواضح الآن أن فترة الرئاسة للرئيس نانا أكوفو أدو ستنتهي في 7 يناير 2025، ليتم بعدها انتقال السلطة إلى الرئيس الجديد ماهاما.
(*) غياب النتائج النهائية من بعض الدوائر الانتخابية: على الرغم من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في غانا، إلا أن غياب تسع دوائر انتخابية هي (أوتو سينيا الشرقية، ونساوام أدواجيري، وأكواتيا، وسوهوم، وتيشيمان الجنوبية، ودوم-كوابينيا، وأبليكوما الشمالية، وأهافو أنو الشمالية، ودامانغو)، أثار قلقًا بين المعارضة والمراقبين المطالبين بمزيد من الشفافية في معالجة الأصوات المتبقية بإجراء إعادة فرز الأصوات في الدوائر الانتخابية التسع، مما أدى إلى حدوث جدل قانوني، وأحدث ذلك توترًا؛ نظرًا لحساسية التوقيت الذي تزامن مع تحديات سياسية كبيرة تشهدها غانا.
ولذلك، أوضحت رئيس اللجنة الانتخابية "جان مينسا" أن تأخير إعلان نتائج 9 دوائر انتخابية عائدٌ إلى تَكَدُس أنصار الأحزاب في مراكز الفرز، مما نتج عن إتلاف المواد الانتخابية وعرقلة سير عمل المسؤولين، مضيفًة أنه حتى في حال تصويت تلك الدوائر لبوميا – الفائز الثاني – فلن يؤثر ذلك على النتيجة النهائية، حيث سيكون إجمالي الأصوات التي سيحصل عليها 5,604,420 صوتًا، وهو ما يمثل 46.17% من إجمالي الأصوات الصحيحة، مع تأكيدها على أن إدراج تلك الدوائر الانتخابية المُعلقة سيعطي المرشح الرائد 52.13%، وهو ما يزال أكبر من نسبة "50% زائد واحد" المطلوبة لإعلانه فائزًا.
(*) التشكيك في نزاهة الانتخابات: ظلت مسألة اتهامات التزوير من قبل بعض الأحزاب المعارضة محورية طوال الحملة الانتخابية، ودفع ذلك العديد من الأطراف إلى المطالبة بتوضيحات مفصلة من اللجنة الانتخابية حول آلية حساب الأصوات وكيف تم الوصول إلى النتائج المعلنة. ولم يتوقف الجدل حولها بعد إعلان النتائج، إذ دعا العديد من الأحزاب المعارضة إلى إجراء تحقيق مستقل؛ من أجل التأكُد من أن عملية احتساب الأصوات تمت وفقًا لأعلى معايير الشفافية والعدالة، إلى جانب دعوتهم إلى إصلاحات عاجلة في النظام الانتخابي؛ لتجَنُب أي شكل من أشكال الاحتيال الانتخابي مستقبلًا.
تحديات راهنة
يواجه ماهاما سلسلة من التحديات المعقدة عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وتتمثل أبرزها في:
(*) أزمة الديون: إن الفوز الذي حققه ماهاما المُنتخَب في السابع من ديسمبر المنقضي، جاء بعد خوضه حملة انتخابية قوية استهدفت الأزمة الاقتصادية العميقة التي تلحق الشعب الغاني؛ نتيجة الضائقة المالية الحادة التي تشهدها البلاد، حيث ركز خصيصًا على فشل الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة "نانا أكوفو أدو" في إدارة الأزمات المالية، فعلى الرغم من تفاقُم الأزمة في عهد أكوفو أدو إلا أن جذور الأزمة أعمق بكثير؛ نظرًا لفشل السياسات المالية والاعتماد المفرط على الاقتراض الخارجي لسنوات طويلة. فبعد عام 2004، زاد الاقتراض الخارجي بالتزامن مع الاكتشافات النفطية الكبيرة في غانا مما ساهم في تعزيز المشاريع الضخمة، لكن هذه الديناميكة تحولت إلى أزمة سيولة كبيرة عقب الانخفاض الكبير في أسعار النفط وأزمة جائحة كوفيد-19 التي مر بها العالَم، مما أدى إلى تدهور الإيرادات وتفاقُم العجز المالي.
وفي عام 2022، بلغ إجمالي الديون العامة لغانا 92% من الناتج المحلي الإجمالي، ليصل إلى 55 مليار دولاير، إشارة إلى ازدياد الأوضاع سوءًا، وتقدمت أكرا بطلب للحصول على قرض من البنك الدولي يصل إلى 3 مليارات دولار، في وقت تورط فيه أكثر من 850 ألف غاني من الظروف الاقتصادية الصعبة، مما أسفر عن انخفاض قيمة العُملة الوطنية "السيدي" وارتفاع كبير في تكاليف خدمة الديون، إلى أن تخلفت غانا عن سداد سندات اليورو، وأُجبِرَت على إعادة هيكلة ديونها المحلية مع التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، حتى ازداد الأمر سوءًا بالتنسيق البطيء بين الدائنين في إطار المبادرة المشتركة لمجموعة العشرين، وملأت المظاهرات أرجاء البلاد احتجاجا على الوضع الاقتصادي القاسي.
(*) الأزمات اللاحقة بالقطاعات الاقتصادية الحيوية: تمثل القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الذهب والنفط والكاكاو أكثر من 80% من صادرات البلاد، تشكل على التوالي 47.7% و26.1% وحوالي 10%من إجمالي صادراتها من السلع، ويمثل الكاكاو أحد الأعمدة الاقتصادية الأساسية في غانا التي تعد ثاني أكبر منتج للكاكاو في العالم، لكن على الرغم من أهميته إلا أنه لم يتم جذب الاستثمارات اللازمة لتحسين سلسلة القيمة من خلال تحويل الكاكاو، وقد تَهَدَرَ أكثر من 40 ألف هكتار من مساحة زراعة الكاكاو؛ بسبب الأنشطة التعدينية غير القانونية. وفي قطاع الذهب، يعاني من ممارسات غير شفافة مثل تهريب الذهب، وهو ما يهدد عائدات الحكومة. أما في قطاع النفط، فإن المناخ الاستثماري الصعب دفع المستثمرين للحذر حتى أثر ذلك على جذب الاستثمارات الحيوية فيه.
ختامًا، يمكن القول إن الانتخابات الرئاسية في غانا 2024، تمثل نقطة تحوُل محورية في المشهد السياسي للبلاد، خاصًة باستعادة الناخبين ماهاما إلى سدة الحكم بعد سنوات من المعارضة، ولا يُعد فوز ماهاما بفارق كبير عن بوميا مجرد انتصار انتخابي، بل تعبيرًا عن رغبة الشعب الغاني في إعادة الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة. وعلى الرغم من نسبة الإقبال المنخفضة، إلا أن النتائج تؤكد أن غانا ما زالت تتمتع بمشاركة سياسية فعالة، وتطلُعات شعبية كبيرة نحو مواجهة التحديات الاقتصادية. وستكون الفترة المقبلة حاسمة؛ حيث سيحتاج الرئيس المُنتخَب إلى البحث عن حلول فعالة للعديد من القضايا الشائكة التي تعصف بالبلاد، في الوقت ذاته الذي يتطلع فيه الغانيون إلى الاستقرار السياسي في ظل قيادة جديدة.