في مشهد سياسي غير مسبوق، تدخل كوريا الجنوبية مرحلة من التوتر الشديد، إثر إعلان الرئيس يون سوك يول الأحكام العرفية لفترة وجيزة، مما أثار عاصفة من الانتقادات والمعارضة.
ورغم رفع المرسوم بعد ساعات، فإن التداعيات السياسية لا تزال تضع مستقبل رئاسة يون على المحك، فيما تتجه البلاد نحو تصويت جديد قد يحدد مصير القيادة السياسية في سول.
كيف يتم عزل الرئيس؟
ويعتمد بقاء "يون" السياسي إلى حد كبير على دعم حزبه "قوة الشعب"، ولكي يتم تمرير عملية العزل، فإنها تتطلب أغلبية الثلثين في الجمعية الوطنية التي تضم 300 عضو، وهذا يعني أن ثمانية على الأقل من أصل 108 نواب من حزب الشعب الحاكم سوف يحتاجون إلى دعمها.
وإذا نجحت عملية العزل، فسوف تقرر المحكمة الدستورية ما إذا كانت عملية عزل يون صحيحة أم لا، حيث نجا الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول من تصويت برلماني ونجح في تجنب الإطاحة به بعد أن قاطع أعضاء حزبه جلسة التصويت، تاركين البرلمان بوجود عضوين فقط، حيث صوت النائب الحاكم الوحيد الحاضر ضد القرار.
وبعد نجاح الحزب الحاكم في منع عزل الرئيس، فإن الحزب يواجه معضلة كيف يبرر استعانة يون بالأحكام العرفية المخصصة لحالات الطوارئ الوطنية في زمن الحرب أو ما شابه ذلك ـ لمعالجة ما أسماه "الأعمال غير الأخلاقية للتلاعب التشريعي والميزاني التي تشل وظائف الدولة".
تصعيد سياسي داخل البرلمان
وعلت أصوات نواب المعارضة خارج قاعة البرلمان بهتافات ساخرة تطالب أعضاء الحزب الحاكم بالدخول إلى الجلسة، بينما تجمعت حشود غاضبة خارج الجمعية الوطنية تطالب بعزل الرئيس.
هذا التصعيد السياسي جاء بعد محاولته إعلان الأحكام العرفية لأول مرة منذ أكثر من أربعة عقود، وهي خطوة وصفها المراقبون بأنها صادمة وأثارت غضبًا شعبيًا واسعًا. ورغم فشل اقتراح العزل، فإن المعارضة تعتزم إعادة التصويت يوم الأربعاء المقبل، مما يضع مزيدًا من الضغط على يون وحزبه.
استقالة أو إقالة؟
يواجه يون دعوات متزايدة من المعارضة وحتى من بعض أعضاء حزبه للاستقالة. فزعيم حزب الشعب التقدمي، هان دونج هون، أكد أن حزبه "سيواصل الضغط لاستقالة منظمة للرئيس لتقليل الارتباك السياسي"، بينما شدد النائب المعارض كيم جون هيونج على أن بقاء يون "غير ممكن"، مضيفًا: "كلما استقال أو أُقيل في وقت أقرب، كان ذلك أفضل لبلدنا".
من جهته، قال مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لقد أدى إعلان الرئيس يون سوك يول عن الأحكام العرفية إلى دخول كوريا الجنوبية في أزمة سياسية غير مسبوقة. لقد نجح في تفادي أزمة دستورية برفع مرسوم الأحكام العرفية بعد ست ساعات فقط من دخوله حيز التنفيذ، ولكن التداعيات السياسية كانت فورية، حيث تقدمت ستة أحزاب معارضة بطلب عزله اليوم".
الأحكام العرفية
إعلان يون الأحكام العرفية شكل نقطة تحول في رئاسته، حيث استخدم قانون الطوارئ المخصص للأزمات الوطنية لمواجهة ما وصفه بـ"الأعمال غير الأخلاقية للتلاعب التشريعي والميزاني". وأدانت المعارضة هذا التصرف واعتبرته غير قانوني وغير دستوري، مما زاد من تعقيد الموقف السياسي.
وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لقد أدى إعلان يون الأحكام العرفية إلى إعادة إشعال المخاوف العميقة الجذور بين الكوريين الجنوبيين من العودة إلى الدكتاتورية العسكرية. وهذا يمثل انتكاسة كبيرة ليون نفسه، ويعرض رئاسته لخطر شديد، ويشوه سمعته كبطل للحرية والديمقراطية".
التداعيات الدولية
الأزمة الداخلية ألقت بظلالها على مكانة كوريا الجنوبية الدولية، خصوصًا في ظل التحولات الجيوسياسية مع كوريا الشمالية وتحالفها المتزايد مع روسيا. وأشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن عدم الاستقرار السياسي قد يؤثر على التعاون الثلاثي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان، ويضعف موقف البلاد كقوة ديمقراطية عالمية.
"وحتى إذا تولى رئيس مؤقت السلطة بعد عزل يون، فلن تتعامل سوى قِلة من الدول بجدية مع كوريا الجنوبية حتى يتم تشكيل حكومة جديدة. وسوف يأتي هذا الوقت الضائع بتكلفة باهظة لكوريا الجنوبية"، وفق مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
الديمقراطية في مواجهة اختبار جديد
رغم الانتقادات التي وجهت ليون، أظهرت الأزمة مرونة المؤسسات الديمقراطية في كوريا الجنوبية، حيث تم رفع الأحكام العرفية دون تصعيد أمني أو قمع للحريات.
وذكر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لقد كانت كوريا الجنوبية تعتبر منذ فترة طويلة مثالًا ساطعًا للديمقراطية في آسيا. وقد أظهر الحل السلمي لأزمة الأمس مرة أخرى نضج ومرونة مؤسساتها".