أعلن الاتحاد الأوروبي ودول ميركوسور (السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية) عن توصلهما لاتفاق للتجارة الحرة، بعد مفاوضات استمرت لربع قرن، وهو الإعلان الذي يأتي وسط تحفظات قوية من فرنسا واحتجاجات حادة من القطاع الزراعي الأوروبي، في تطور يعكس التحديات التي تواجه العلاقات التجارية بين القارتين.
نقطة تحول في العلاقات
كشفت صحيفة "إكسبريس" الفرنسية تفاصيل الإعلان الذي جاء على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رؤساء دول ميركوسور.
وأوضحت الصحيفة أن فون دير لاين وصفت الاتفاق بأنه "بداية لتاريخ جديد"، مؤكدة أن المفاوضات التي استمرت 25 عامًا، أثمرت أخيرًا عن نتائج ملموسة.
ويهدف الاتفاق إلى تعزيز التبادل التجاري بين المنطقتين وفتح أسواق جديدة للمنتجات والخدمات، مما يمكن أن يؤثر على أكثر من 700 مليون مستهلك في القارتين.
معارضة فرنسية وتحفظات قانونية
وفي موقف يعكس حساسية الملف، نقلت "إكسبريس" تفاصيل الموقف الفرنسي المتحفظ، إذ أكد قصر الإليزيه أن الإعلان لا يعني نهاية المطاف.
وفي تصريحات مفصلة، أوضحت وزيرة التجارة الخارجية الفرنسية المستقيلة صوفي بريماس أن إعلان المفوضية الأوروبية "لا يلزم إلا نفسها".
وأضافت أن المسار القانوني للاتفاق يتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وأن ما تم في مونتيفيديو لا يتعدى كونه "اختتامًا سياسيًا للمفاوضات".
وشددت على أن الاتفاق يحتاج إلى دراسة معمقة من قبل كل دولة قبل أن يصل إلى مرحلة التصديق النهائي.
أزمة في القطاع الزراعي الأوروبي
وفي تطور يكشف عمق الأزمة، نقلت إكسبريس ردود فعل غاضبة من القطاع الزراعي الأوروبي، إذ اعتبر التحالف النقابي الزراعي الفرنسيFNSEA-JA أن الاتفاق يمثل "خيانة" للمزارعين الأوروبيين.
وأوضح التحالف في بيان مفصل أن المزارعين الأوروبيين يطبقون أعلى معايير الإنتاج في العالم، وأن الاتفاق سيعرضهم لمنافسة غير عادلة من منتجين لا يلتزمون بنفس المعايير البيئية والصحية.
كما حذرت الكونفدرالية الزراعية الفرنسية من أن الاتفاق سيؤدي إلى انهيار في الأسعار ويشجع على التنافس غير المتكافئ، مشيرة إلى أن القطاع الزراعي يُعاني بالفعل من أزمة مستمرة منذ 40 عامًا.
انقسام أوروبي وتداعيات اقتصادية
ويكشف التباين في المواقف الأوروبية عن عمق الانقسام حول الاتفاق، فبينما رحب المستشار الألماني، أولاف شولتز، بالاتفاق، معتبرًا إياه خطوة نحو "مزيد من النمو والقدرة التنافسية"، حذرت منظمةCopa-Cogeca، أكبر تجمع للنقابات الزراعية الأوروبية، من تداعيات كارثية على ملايين المزارعين.
وتشير التقديرات إلى أن الاتفاق سيؤثر بشكل مباشر على القطاع الزراعي الأوروبي، خاصة في ظل المنافسة المتوقعة من المنتجات الزراعية لدول ميركوسور.
تحديات التنفيذ
وفي ظل هذه التطورات، يبدو أن مستقبل الاتفاق لا يزال محاطًا بالكثير من التحديات، إذ أوضح مستشار رئاسي فرنسي أن الإعلان لا يحمل أي أثر قانوني ملزم، وأن الموافقة النهائية تتطلب مصادقة مجلس الاتحاد الأوروبي.
كما أن المخاوف البيئية والاجتماعية التي أثارتها المنظمات الزراعية، تشير إلى احتمال مواجهة الاتفاق لمعارضة قوية خلال مرحلة التصديق.
وتبقى المسألة الأساسية هي كيفية التوفيق بين مصالح المزارعين الأوروبيين ومتطلبات التجارة الحرة، في وقت تتزايد فيه الضغوط من أجل حماية البيئة وضمان معايير إنتاج عالية.