الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

فرنسا في مفترق طرق.. حكومة تسقط واقتصاد يترنح وقلق أوروبي

  • مشاركة :
post-title
إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي ورئيس وزراءه ميشيل بارنييه

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تقف فرنسا على أعتاب منعطف سياسي خطير هذا الأسبوع مع اقتراب التصويت على حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه، في تطور قد يؤدي إلى أول سقوط لحكومة فرنسية منذ عام 1962، في هذا الصدد كشفت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، عن تفاصيل الأزمة السياسية المعقدة التي تهدد باستمرار حالة عدم الاستقرار في ثاني أكبر اقتصادات منطقة اليورو، وتضع الرئيس إيمانويل ماكرون أمام أصعب اختبار سياسي في ولايته الثانية.

الطريق إلى المواجهة

في خضم أجواء سياسية متوترة، اتخذ ميشيل بارنييه، المفاوض السابق للاتحاد الأوروبي في ملف بريكست والذي تولى رئاسة الوزراء الفرنسية في سبتمبر الماضي، قرارًا مثيرًا للجدل باستخدام آلية دستورية لتجاوز البرلمان وتمرير مشروع قانون لتمويل الضمان الاجتماعي والموازنة العامة.

وتكشف "ليبراسيون" أن هذه الخطوة جاءت بعد أسابيع من المفاوضات المضنية مع مختلف الكتل البرلمانية، في محاولة يائسة لإنقاذ خطته الاقتصادية الطموحة التي تهدف إلى سد فجوة مالية ضخمة في الميزانية الفرنسية.

لم تكن مغامرة بارنييه السياسية إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ سارعت المعارضة اليسارية، ممثلة في تحالف الجبهة الشعبية الجديدة، إلى تقديم مذكرة لحجب الثقة.

وفي تطور لافت، أعلن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان، انضمامه إلى جبهة المعارضين للحكومة، في تحالف غير مسبوق يعكس عمق الأزمة السياسية التي تعيشها فرنسا.

مصير الحكومة وسيناريوهات المرحلة الانتقالية

من المتوقع أن يجري التصويت على حجب الثقة في وقت مبكر من يوم الأربعاء، وتشير كل المؤشرات إلى احتمال كبير لنجاحه، فيما تكشف صحيفة "ليزيكو" الفرنسية أنه في حال تمرير التصويت، لن يكون أمام بارنييه سوى تقديم استقالته، لتدخل الحكومة في وضع "تصريف الأعمال".

وليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها فرنسا مثل هذا الوضع، إذ عملت حكومة ماكرون السابقة في وضع تصريف الأعمال من يوليو إلى سبتمبر الماضي.

ووفقًا للدستور الفرنسي، تتمتع حكومة تصريف الأعمال بصلاحيات محدودة تقتصر على إدارة "الشؤون الجارية".

ورغم عدم وجود نصوص قانونية تحدد بدقة حدود هذه الصلاحيات، يتفق الخبراء القانونيون الفرنسيون على أن حكومة تصريف الأعمال لا يمكنها اقتراح قوانين جديدة أو إصدار مراسيم، لكنها تستطيع تسيير أعمال الحكومة مثل دفع رواتب الموظفين وتوزيع المعاشات التقاعدية، مع توقف اجتماعات مجلس الوزراء.

ميشيل بارنييه رئيس الوزراء الفرنسي
معضلة ماكرون والخيارات المحدودة

سلطت صحيفة "بوليتيكو" الضوء على المأزق السياسي الذي يواجه الرئيس ماكرون، الذي يجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه.

فمن ناحية، يمنعه الدستور من الدعوة لانتخابات برلمانية جديدة قبل صيف العام المقبل، نظرًا لأنه سبق أن لجأ إلى هذا الخيار في يوليو الماضي بعد هزيمة حزبه في الانتخابات الأوروبية.

ومن ناحية أخرى، تبدو خياراته محدودة في تشكيل حكومة جديدة قادرة على البقاء في ظل برلمان منقسم بشدة.

وتنقل بوليتيكو عن بنجامين موريل، المحلل السياسي في جامعة باريس بانثيون-أساس، قوله إن "الأصوات المطالبة باستقالة ماكرون نفسه قد تتزايد، خاصة مع تلويح مارين لوبان بإسقاط أي حكومة جديدة حتى يستقيل الرئيس"، غير أن ماكرون نفى بشدة أي نية للاستقالة.

ووفقًا للدستور الفرنسي، سيظل ماكرون في منصبه حتى انتهاء ولايته في 2027، لكن من المؤكد تقريبًا أن مكانته السياسية ستشهد المزيد من التراجع، فيما تجدر الإشارة إلى أن ماكرون لا يمكنه الترشح لولاية جديدة بسبب القيود الدستورية على فترات الرئاسة.

تداعيات اقتصادية خطيرة

تأتي الأزمة السياسية في توقيت بالغ الحساسية للاقتصاد الفرنسي، الذي يعاني من عجز هائل في الميزانية، إذ تشير بوليتيكو إلى أن محاولات بارنييه لاحتواء هذا العجز من خلال حزمة من إجراءات التقشف وزيادة الضرائب قد باءت بالفشل، مع تزايد المخاوف في الأسواق المالية من تداعيات الأزمة السياسية على ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

وفي تطور مثير للقلق، أصبحت السندات اليونانية تعتبر استثمارًا أكثر أمانًا من نظيرتها الفرنسية، في مؤشر على تدهور ثقة المستثمرين في الاقتصاد الفرنسي.

كما تراجع مؤشر CAC40 لأكبر الشركات الفرنسية بنسبة 0.2% يوم الاثنين، رغم تأكيد وكالة التصنيف الائتماني S&P على مرونة الاقتصاد الفرنسي رغم عدم الاستقرار السياسي.

القلق الأوروبي والمخاوف المتصاعدة

وتكشف بوليتيكو عن حالة من القلق المتزايد في أروقة المفوضية الأوروبية من تداعيات الأزمة الفرنسية.

فبعد أن وضعت بروكسل فرنسا تحت إجراء العجز المفرط في العام الماضي، كانت قد رحبت بخطط الميزانية التي اقترحها بارنييه لخفض عجز البلاد من أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام إلى 5% في العام المقبل.

غير أن محاولات بارنييه الأخيرة لاسترضاء المعارضة، خاصة حزب التجمع الوطني، قد تؤدي إلى تفاقم العجز، إذ تراجع عن زيادة مقررة في ضريبة الكهرباء، وقرر الاستمرار في تعويض المرضى عن بعض أنواع الأدوية، في تنازلات مكلفة لم تنجح في إقناع لوبان بالتراجع عن موقفها المعارض للحكومة.

مستقبل غامض ينتظر فرنسا

وتختتم بوليتيكو بالإشارة إلى أن فرنسا قد تدخل في فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي. فرغم أن المؤسسات الفرنسية قوية نسبيًا وأن القوانين تضمن استمرارية عمل الدولة في غياب الحكومة والميزانية، إلا أن التكلفة الاقتصادية والسياسية قد تكون باهظة.

ويمكن لبارنييه أو خلفه ضمان وجود ميزانية للعام المقبل من خلال آليات طوارئ، أبرزها تقديم "قانون خاص" يسمح للسلطة التنفيذية بترحيل ميزانية العام السابق لبضعة أشهر حتى الموافقة على ميزانية جديدة.

لكن هذا السيناريو من شأنه أن يثير قلق بروكسل والأسواق المالية، التي تريد من باريس خفض ديونها، فبدون الإجراءات الصارمة التي اقترحها بارنييه، قد يرتفع العجز إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا، وفقًا لوزير الميزانية لوران سان مارتان.