يوجد تحت أقدامنا مصدر متجدد للطاقة لا حدود له، وفي الوقت الذي حظيت به بعض الدول بمواقع مميزة لوجود الحرارة الجوفية بالقرب من السطح، إلا أن بقية العالم سوف يحتاج إلى الحفر في الأرض، ولكن التحدي الكبير بالنسبة للعلماء، يكمن في كيفية الوصول إلى العمق الكافي لاستخراج الطاقة.
وتوفر الحرارة الأرضية مصدرًا لا ينضب من الطاقة الخضراء في مختلف أنحاء الكوكب، وبحسب شبكة "بي بي سي" البريطانية، فهي متوفرة على الدوام، على العكس من طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، وذلك يرجع إلى أن الحرارة المنبعثة من نواة الأرض المنصهرة موجودة باستمرار.
باطن الأرض
وأكد العلماء أن الأرض تنبعث منها كميات هائلة من الطاقة أثناء تبريدها، حتى إن الحرارة المفقودة والتي تكون وجهتها النهائية هي الفضاء كل عام تكفي لتلبية إجمالي احتياجات العالم من الطاقة مرات عديدة.
ومن أهم البلدان التي تتمتع بتلك الميزة آيسلندا التي تعد موطنًا لأكثر من 200 بركان وعشرات الينابيع الساخنة الطبيعية، التي يتم تسخينها بواسطة النيران الحرارية الأرضية التي تحترق أسفل القشرة مباشرة، وبدورها تلقي الماء المغلي والبخار في الهواء.
وتدفئ آيسلندا من وراء ذلك 85% من منازلها بالطاقة الحرارية الأرضية، في حين تأتي 25% من كهرباء البلاد من محطات توليد الطاقة التي تستغل هذه الحرارة من باطن الأرض، وعلى غرار ذلك يوجد 32 دولة فقط في العالم لديها محطات طاقة حرارية أرضية قيد التشغيل.
الاستثمار المرتفع
وتمتلك تلك الدول، بحسب الشبكة البريطانية، أقل من 700 محطة طاقة حول العالم، ولدت حوالي 97 تيراواط ساعة في عام 2023، وهو ما يعد أقل من نصف كمية الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة وحدها.
ويقدر العلماء بالمختبر الوطني للطاقة المتجددة في الولايات المتحدة، أن الطاقة الحرارية الأرضية يمكن أن تساهم بحوالي 800 - 1400 تيراواط ساعة من الكهرباء سنويًا بحلول منتصف القرن، مع 3300-3800 تيراواط ساعة أخرى سنويًا من الحرارة.
ومن الأسباب الرئيسية التي تجعل الطاقة الحرارية الأرضية غير منتشرة على نطاق واسع هو الاستثمار الأولي المرتفع والمطلوب لاستخراج هذه الطاقة، حيث يعد الوصول إليها بعيدًا عن متناول الكثيرين حتى الآن في العالم.
ثقوب عميقة
ويتعين على تلك الدول، من أجل الاستمتاع بجزء من هذه الثروة الجيولوجية من الطاقة الحرارية الأرضية النظيفة، الحفر بأعماق كبيرة وإحداث ثقوب عميقة، للوصول إلى درجات الحرارة اللازمة لتوليد الكهرباء أو توفير التدفئة للأحياء القريبة من موقع الحفر.
وبحسب العلماء، ترتفع درجات الحرارة بمعدل 25 إلى 30 درجة مئوية في المتوسط مع كل كيلومتر تقطعه عبر قشرة الأرض، وإذا تم الحفر بعمق كاف من الممكن الوصول إلى نقطة تتجاوز فيها درجات حرارة الماء 374 درجة مئوية.
ويصف العلماء ما يحدث للماء عند تلك الحرارة المرتفعة، حيث يدخل في حالة شديدة الطاقة تُعرف باسم فوق الحرجة، حيث يوجد في شكل ليس سائلًا ولا غازًا، وكلما زادت سخونته وزاد ضغطه، زادت الطاقة التي يحتوي عليها.
سحيق وغامض
ويُمكن لبئر حرارية أرضية فائقة السخونة أن تنتج ما بين خمسة إلى عشرة أضعاف الطاقة التي تنتجها الآبار الحرارية الأرضية التجارية اليوم، وفقًا للمختبر الوطني للطاقة المتجددة، ولكن العقبة الرئيسية تتمثل في أن المثاقب الدوارة التقليدية غير مجهزة بما يكفي للحفر إلى الأعماق المطلوبة للوصول إلى مثل هذه الأنواع من درجات الحرارة.
ويرجع ذلك إلى أن العالم أسفل الأرض سحيق جدًا وغامض من خلال الجيولوجيا غير المعروفة بعد ودرجات الحرارة الشديدة والضغوط الهائلة، التي قد تفشل معها مكونات الحفر بشكل متكرر، كما أن انسداد الثقوب تعتبر معركة مستمرة.
ويعود تاريخ أعمق حفرة حفرها البشر على الإطلاق إلى فترة الحرب الباردة، حيث تمكن السوفييت من شق طريقهم عبر 7.6 ميل "12.2 كيلومتر" من الصخور، واستغرق الأمر منهم ما يقرب من 20 عامًا؛ مما أدى إلى إنشاء بئر كولا العميق للغاية في شبه جزيرة كولا.
خيرات الأرض
وقدر المختبر الوطني للطاقة المتجددة أن تكلفة حفر بئر بعمق كيلومتر واحد تبلغ حوالي 2 مليون دولار، في حين أن الحفر لأربعة أضعاف هذا العمق يمكن أن يكلف ما بين 6 إلى 10 ملايين دولار باستخدام التكنولوجيا الحالية.
ومع هذه التكلفة والمعوقات يتجه الباحثون والشركات إلى أنواع جديدة من أدوات الحفر لحفر بعض أعمق الآبار التي تم إنشاؤها على الإطلاق، على أمل جلب الطاقة الحرارية الأرضية إلى أجزاء من العالم لم يعتقد أحد قط أنها ممكنة، والسؤال الذي يفرض نفسه الآن، هل سيكون البشر قادرين على الحفر بعمق كافٍ للاستفادة من خيرات الأرض الحرارية؟