تستضيف العاصمة المصرية القاهرة، اليوم الاثنين، مؤتمرًا دوليًا لدعم وتعزيز الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة، تحت عنوان "عام على الكارثة الإنسانية في غزة: احتياجات عاجلة وحلول مُستدامة".
ويهدف المؤتمر إلى حشد دعم دولي واسع؛ للتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وتعزيز حجم المساعدات الإنسانية، من خلال التعامل مع الكارثة الإنسانية الحالية، وتوفير متطلبات التعافي المُبكر في القطاع.
ويتناول المؤتمر الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية، والتنسيق مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة؛ للدفع نحو إنفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والسعي لوقف إطلاق النار وإحلال السلام، وذلك بمشاركة إقليمية ودولية واسعة، تشمل أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إضافة إلى وزراء وممثلي عدد من الدول الإقليمية والدولية ومنظمات دولية وهيئات الأمم المتحدة المعنية.
ويعاني قطاع غزة على مدى أكثر من عام من الحرب العدوانية على قطاع غزة، على جميع الأصعدة، إذ عكفت آلة التدمير الإسرائيلية على النيل من القطاع صحيًا وزراعيًا وتراثيًا، تاركة وراءها كارثة إنسانية.
تدمير القطاع الصحي
أتى جيش الاحتلال الإسرائيلي، على الأخضر واليابس، خلال ما يزيد على عام من الحرب العدوانية على قطاع غزة، ردًا على عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس في السابع من اكتوبر 2023، ليرتكب جيش الاحتلال مجازر في حق الإنسانية بتدمير القطاع الصحي ليحاصر المدنيين في غزة بين طلقاته الغادرة وبين انعدام الرعاية الطبية.
قبل الحرب العدوانية على غزة، كان هناك 36 مستشفى عاملًا في غزة، وفقًا لتحليل الصحة العالمية، والآن تعمل 17 مستشفى بشكل جزئي، وتوقف 19 مستشفى عن العمل حتى 30 أغسطس الماضي، كما لا توجد حاليًا مستشفيات تعمل بكامل طاقتها، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
وقالت وكالات الإغاثة إن طواقمها الطبية تعرّضت للاحتجاز والهجوم، ما أجبرها على إخلاء المرافق، ما يتسبب في حرمان المدنيين من الوصول إلى الرعاية الطبية المنقذة للحياة، بحسب "إيه بي سي" نيوز الأمريكية.
مستشفى الشفاء، الذي كان أكبر منشأة طبية في غزة، تحول إلى أنقاض بعد عمليتين عسكريتين إسرائيليتين كبريين، ما ترك فجوة هائلة في النظام الصحي المنهك أصلًا.
التراث الثقافي والتاريخي
ولم تقتصر الخسائر على الأرواح البشرية فحسب، بل امتدت آلة العدوان لتطال التراث الثقافي والتاريخي للمنطقة، إذ شهد القطاع تدميرًا ممنهجًا للمواقع الأثرية والتاريخية، ما يهدد بمحو الذاكرة الجماعية لشعب غزة وطمس هويته الثقافية.
وفقًا لآخر إحصائيات صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن إسرائيل دمرت 206 مواقع أثرية وتراثية من أصل 325 موقعًا مسجلًا في القطاع، ما يكشف عن حجم الكارثة التي حلّت بالتراث الفلسطيني في غزة.
وأشار المكتب، إلى أن العديد من المواقع الأثرية والتراثية في القطاع تعرضت لتدمير جزئي أو كلي نتيجة الهجمات الإسرائيلية المستمرة، وتشمل هذه المواقع مساجد وكنائس ومدارس ومباني أخرى ذات أهمية تاريخية، ما يعكس التنوع الثقافي والديني الذي تميزت به غزة عبر العصور.
تعد البلدة القديمة في غزة من أكثر المناطق تضررًا جراء العدوان الإسرائيلي، فهذه المدينة التاريخية، التي تعود جذورها إلى الحضارة الفينيقية قبل نحو 1500 عام قبل الميلاد، شهدت دمارًا هائلًا في العديد من مبانيها الأثرية، بما في ذلك الأسوار والبوابات والمباني البارزة.
دمار غير مسبوق
وفقًا لتحليل أجراه خبراء من مركز CUNY Graduate Center وجامعة ولاية أوريجون، فإن ما يقرب من ثلثي المباني في قطاع غزة تعرّضت للضرر أو الدمار الكامل خلال عام واحد من النزاع.
وتشير شبكة "بي بي سي" إلى أن مدينة غزة، التي كانت تعج بالحياة وتضم أكثر من 775,000 نسمة قبل الحرب، تحولت إلى أطلال في معظم أحيائها.
مدن الخيام
مع نزوح أكثر من 1.9 مليون شخص داخل القطاع، أي ما يقارب 90% من سكان غزة، ظهرت ما يمكن وصفها بـ"مدن الخيام" في مناطق مختلفة، وتبرز منطقة المواصي كمثال صارخ على هذا التحول.
فالمواصي، شريط ضيق من الأراضي الزراعية على طول ساحل البحر المتوسط، تحولت من منطقة خضراء هادئة إلى ما يشبه مدينة عشوائية ضخمة.
ويقعد نحو 1.8 مليون نازح، مكدسين في مساحة لا تتجاوز 50 كيلومترًا مربعًا.
وتظهر صور الأقمار الصناعية التي نشرتها "بي بي سي" بوضوح هذا التحول المذهل، ففي مايو 2023، كانت المنطقة تبدو كشريط أخضر مع بعض المباني المتناثرة، أما في سبتمبر 2024، فقد تحولت إلى بحر من الخيام البيضاء، تمتد حتى حافة الشاطئ.
المياه والصرف الصحي
يصف برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنظمة المياه والصرف الصحي في غزة بأنها "معطلة تقريبًا بالكامل"، إلى جانب تراكم النفايات حول المخيمات والملاجئ، يشكل تهديدًا خطيرًا للصحة العامة ويزيد من مخاطر انتشار الأمراض.
قبل الحرب، كانت غزة تعاني أصلًا من أزمة مياه حادة، مع 97% من المياه الجوفية غير صالحة للشرب، أما الآن، ومع تدمير محطات معالجة المياه ومحطات الضخ، أصبح الوضع كارثيًا.
تشير التقارير إلى أن مياه الصرف الصحي غير المعالجة تتدفق الآن مباشرة إلى البحر المتوسط، ما يخلق كارثة بيئية تتجاوز حدود غزة. هذا التلوث لا يهدد فقط الحياة البحرية، بل يقوّض أيضًا إمكانيات استخدام البحر كمصدر للغذاء أو كمورد اقتصادي في المستقبل.
توزيع السكان
الحرب أدت إلى تغير جذري في خريطة الكثافة السكانية في غزة، فوفقًا لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) التي نقلتها شبكة "بي بي سي"، فإن أكثر من 85% من سكان غزة نزحوا من منازلهم، مع تركز غالبيتهم في الجزء الجنوبي من القطاع.
هذا التحول أدى إلى ظهور ما يمكن وصفه بـ"مناطق شبه مهجورة" في شمال القطاع، في حين تحولت مدن مثل رفح الفلسطينية وخان يونس إلى مناطق ذات كثافة سكانية غير مسبوقة.
في رفح الفلسطينية على سبيل المثال، ارتفع عدد السكان من نحو 280,000 نسمة قبل الحرب إلى أكثر من مليون شخص، ما خلق ضغوطًا هائلة على البنية التحتية والخدمات المحدودة أصلًا.
انهيار التعليم
لم تعد المدارس أماكن للتعلم بل أصبحت مراكز إيواء النازحين بدلًا من الطلبة، فضلًا عن استهدافها من قِبل قوات الاحتلال، حيث وقعت فيها المجازر، وتم تدمير أكثر من 125 مدرسة وجامعة بشكل كلي، وتضرر أكثر من 337 مدرسة وجامعة بشكل جزئي، واستشهاد أكثر من 11 ألف طالب و750 معلم وعامل في القطاع التعليمي وإعدام أكثر من 115 عالمًا وأستاذًا جامعيًا.
كما منع الاحتلال كل الوسائل التي تسمح للطلاب بالعودة إلى الدراسة، حتى وإن كان عبر التعليم الإلكتروني من خلال كل وسائل التواصل وإعاقة دخول المواد اللازمة لشركات الاتصال المحلية.
وأكد المتحدث باسم بلدية غزة أن: "الأطفال يعانون وضعًا صعبًا وكارثيًا إثر الحرب، فهم الفئة الأكثر هشاشة والأكثر تضررًا من الحرب إلى جانب النساء، حيث يشكلان نسبة أكثر من 70% من إجمالي أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين".
القيود المساعدات
ويأتي المؤتمر في ظل مطالبات عربية رسمية برفع القيود الإسرائيلية على مرور المساعدات لقطاع غزة، بعد قرار إسرائيل بحظر عمل أنشطة وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في أكتوبر الماضي.
وإلى جانب المطالب العربية دعت وزارة الخارجية الألمانية إسرائيل إلى تقديم المزيد من المساعدات لسكان قطاع غزة المحاصر، وأوضح وزير الدولة في وزارة الخارجية توبياس ليندنر أن إسرائيل ملزمة بالوفاء أخيراً بوعودها بإغراق غزة بالمساعدات الإنسانية والسماح بوصول المساعدات الإنسانية الكافية في جميع الأوقات، ولا توجد أعذار لذلك.
يوم التضامن
ويتزامن المؤتمر مع الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 نوفمبر من كل عام، حيث تحل تلك المناسبة هذا العام في ظل مواصلة إسرائيل حربها على قطاع غزة للشهر الـ14 على التوالي، حيث استُشهد وأُصيب نحو 149 ألف فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وسط مجاعة ودمار هائل في القطاع.
وفي السياق ذاته، أكد وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج الدكتور بدر عبدالعاطي، أن المؤتمر سيعقد تحت رعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وأنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة.